عبدالعزيز السماري
اشتعلت وسائل الإعلام بردود الأفعال ضد سياسة دولة قطر في المنطقة، ولم تكن وليدة الحدث الأخير، ولكن تراكم الاختلافات السياسية والمواقف غير المعلنة ولّد الانفجار، وكان الميل القطري نحو التغريد بعيدًا خارج السرب الخليجي خلف ذلك، وقد اقترب الموقف السياسي الخليجي من نقطة خطرة، وقد يؤثر على استقرار المنطقة..
أسهمت بعض مواقف الجارة الخليجية في إذكاء حدة الخلاف الأخير، واشتعاله إعلاميًا بدرجة غير مسبوقة، التي قد تخفي مواقف سياسية غير معلنة ضد شقيقتها الكبرى، وقد يفسر ذلك سياسة المواقف المتناقضة في الدوحة.
وعلى الرغم مما تدعيه الدولة الشقيقة من دعم لحركة المقاومة في فلسطين، لكن وجدت صعوبة في إدراك مغزى وجود سابق لمكتب للتمثيل الإسرائيلي في الدوحة، وقد حفلت السنين الأخيرة بمواقف سياسية متناقضة، كان آخرها نقل ما تبقى من يهود اليمن عير الدوحة إلى إسرائيل على القطرية عام 2013.
أفهم جيدًا مواقف الجارة الشقيقة في وقوفها مع الثورة السورية، ودعمها للثوار من مختلف الاتجاهات، الذين يقفون صفًا واحدًا في مواجهة تنظيم إيراني لبناني متطرف لفرض حكم الأقلية في سوريا، لكنني وجدت صعوبة في إدراك معنى تلك العلاقة الحميمة والهادئة مع حكومة إيران المتطرفة، التي ما زالت تهدد وتخترق دول الجوار العربي في كل اتجاه..
لا يخفى على أي إنسان عربي تلك النبرة الشعبية التي تتحدث من خلالها قناة الجزيرة، التي تلامس في خطابها الثقافي البعدين الإسلامي والقومي العربي، وهما يمثلان تاريخيًا تلك الخطوط الحمراء في قضية العلاقة والتطبيع مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ولكن ذلك لا معنى له بوجود قاعدة ضخمة لأمريكا وبالقرب من بث القناة الثورية، وبوجود تاريخ ملموس في العلاقات مع الدولة العبرية.
كان نتيجة هذه المواقف المتباعدة خروج أجيال غير متصالحة مع مبادئها، فعلى سبيل المثال يغرد بعض الثوريين العروبيين والإسلاميين من الدوحة، ويعدون بعودة أرض فلسطين من المغتصب الصهيوني، ويبشرون برجوع موجات الربيع العربي إلى الأراضي العربية، وأتساءل هل يدرك هؤلاء على أي أرض يقفون؟، ومع أي موقف يمثلون؟، وعن أي استقلال ينشدون..؟
هل تمثل هذه السياسات المتناقضة حقيقة العقل العربي في هذه الفترة الزمنية الغبراء، وقد أصبح يشتعل تناقضًا لدرجة عالية من السخرية السوداء، وهل تحولت الخيانة والمقاومة والثورة والعمالة إلى وجوه متعددة لنفس العقل، وهل تحول الثوري العربي والجهادي الإسلامي إلى دمى تتحرك بغباء وسطحية جوفاء على مسرح سياسي مهجور..؟
الموقف العربي من إيران ليس عنصريًا أو قوميًا أو طائفيًا، لكنه تعبير عن حالة غضب عربي من تدخلهم السافر لإذكاء الفتنة الطائفية في المنطقة من خلال مرجعية دينية متخلفة، وقد نجحوا بالفعل، وبمساعدة من بعض العرب، فهل يدرك الأشقاء في قطر أن سياسة المواقف المتناقضة قد تفتح الباب على مصراعيه لدخولها إلى بر الأمان الخليجي..
أكاد أن أجزم أننا أغلبنا مستاءون مما يحدث، فالحال في الخليج العربي لا تبشر بخير، وعلينا أن نعود سريعًا إلى بيت الحكمة والعمل على تقديم المصالح المشتركة على الصفقات السياسية الخاسرة، وقبل ذلك أن تتوقف سياسة المكائد والمواقف المتناقضة في قطر، التي هي بلا نزاع الممر السهل والآمن لدخول الفوضى إلى عقر الدار الخليجية.