رمضان جريدي العنزي
هناك من يهول الأمور، يولول يصرخ يبكي ويتباكى، يجيد إشعال النار، ودق الطبول، يبدل البياض بالسواد، يرسم الحزن في وجوه المخبتين، مثل النار لها لفح وشرر، حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها حديد، وشرابها صديد، حديثه مظلم، وتنظيره معتم، لصوته شهيق وزفير، وغيظه شديد، إذا رأى الناس بهناء ونجاح وسعادة وتفوق وسرور، زفر وزمجر غضبا ورماهم بشرر كالقصر، لا يملك سوى الصياح والعويل، والكلام الطويل، يملأ القلوب قنوطاً ويأساً، ولا يزيد الناس إلا شدة وبؤساً، يتضخم بالكلام فاه، وينتشي عندها لصداه، وحش في جسد إنسان، يريد الحياة ميتة ساكنة واقفة، لا يحلم كما يحلم الناس، لأن أحلامه ضائعة، وآماله تائهة، وصدره ضيق، قلبه حجر، وعينيه غائرة، يكره طير الحمام واليمام، وشدوا البلابل الحالمة، كل فصول السنة عنده سواء، لا فرق عنده بين الربيع والشتاء، الماء عنده غير الماء، والنماء عنده يعني الفناء، لا يفرق بين البحر والنهر، والحر والقر، والسكر والمر، والخير والشر، والكر والفر، لا يفرق بين السماء والسناء، ولا يعرف الفرق بين المها والظباء، يحاول نشر الرعب والفزع، والخسارة والندم، سيرته ليست باسلة، وله حبال من مسد، يحاول أن يكون واحداً من تتر، بل أشد وأعتى من تتر، منذهل بالزهو الذي يطارده، وبشهقات الجنون، وصيحات المنون، ينام بين شعبتي من ظلام، ويتوسد الحجر، ظل الطريق البهي، وغدى في ممرات الظلام يسير، يريد حرق الأرض، وقطع الزرع، وخلع البياض عن البياض، روحه بغيضة، وقلبه مثقوب، وجسده عليل، واهن بانتظار الفجيعة، له إنغلاق وتحجر، لا يتعلم ولا يتعظ، يحب الفتنة ويريد إيقاظها، وهو يعلم بأنها لا تجيء إلا بالخراب والفساد والهرج والمرج، ومع هذا يدعو لها، وينظر لها، وما درى بأن الفتن حامية، ونتائجها دامية، وقد أفرزت النكوص والخراب والفشل على مر الدهور والأزمنة والعصور، فمن منا لا يتذكر اليهودي الذي أيقظ الفتنة بين الأوس والخزرج بتذكيرهم بيوم بعاث حتى صار الذي صار، وعم البلاء والخراب، وكبر أوار النار، وكذا القرامطة، والتتر، ومعركة الجمل، وعبدالله بن سبأ، ومعارك وحروب الجهل، والنهب والسلب وقطع الطريق وأخذ مال الضعيف، فلا توقظوا الفتنة يا ممتهني الفتن، ودعوها نائمة في سباتها العميق، لا تحركوها فإن في سكونها خير وفير، وفي إيقاظها بلاء عظيم، دعوها في غفلتها ساكنة، ففي صحوها إفساداً وتدميراً، فلا توقدوا نارها ولا تكبروا أورها، فيستشري عندها ضررها، ويتفاقم خطرها، وتحل خطبها، وتلتبس عندها كثيراً من الحقائق، وتختلط كثيراً من المفاهيم، وتختل الموازين، ويحتار جراءها ذوو العقول والبصائر، وكونوا كما قال علي رضي الله عنه: «لا تكونوا أنصاب الفتن، وأعلام البدع، والزموا ما عقد عليه حبلُ الجماعة، وبنيت عليه أركان الطاعة، واقدموا على الله مظلومين، ولا تقدموا عليه ظالمين، واتقوا مدارج الشيطان، ومهابط العدوان»، فيا أيها الناس العنوا الفتن، وابتعدوا عن مواطنها ومواردها، ولا تحوموا حول حماها لكي لا تقعوا فيها، وأنهجوا منهج الرشد، وأسلكوا مسلك الحق، والجموا مطامع النفس بلواجم نواهيها.