د. فوزية البكر
يوم الخميس الماضي الموافق 25 مايو 2017 قلدت جامعة هارفرد الدكتوراه الفخرية للشاب الحالم الذي تركها دون أن يكمل دراسته (وهو ما فعله بيل جيت قبله) مارك زيكنبيرك ليطارد حلما كان مستحيلا آنذاك لكن إرادة الشباب أطلقت عنانها له ليقودها وينجح في تكوين أكبر شركة معروفة في حقل التواصل الاجتماعي حتى اليوم (الفيس بوك) والتي يستخدمها أكثر من ملياري شخص في العالم يتشاركون في ما بينهم سواء تعلق الأمر بصور أطفالهم أو آرائهم السياسية أو حفلات تخرجهم أو ما يفعلونه بشكل يومي.
المدهش هو الخطاب الإلهامي الذي ألقاه زيكنبيرك في الحفل والذي أوضح فيه الكثير من العوامل التي تدفع البشر إلى أن يكونوا منتجين بدل أن يكونوا هادمين وسلبيين وأهمها (أن يجد مكانا تحت الشمس.. أن يجد غرضا يسعي إليه) والغرض الذي يجب أن نسعى إليه جميعا كما يري زيكنبرك وإذا ما رغبنا أن يستتب السلام في العالم هو أن يكون لكل أحد: كل احد دون استثناء مهما كان لونه أو دينه ومهما كانت طبقته الاجتماعية أو جنسيته أو دخله: كل إنسان على هذه البسيطة يجب أن يشعر بأن له دوراً يلعبه في تغيير العالم، وبأنه يساهم بشكل أو آخر في تحقيق غرض أنساني يحقق أهدافه لكنه أيضا مهم للمجتمع من حوله.
قال بليونير الفيس بوك بعبارة واضحة: أذا أردت أن تحدث تغييرا فأبدا من مجتمعك المحلي: ساعد الناس على كسب فرص متساوية للنجاح و في العثور على غرضهم سواء من خلال التبرع بالمال أو الوقت أو كليهما لأنه "عندما يتمكن المزيد من الناس من تحويل أحلامهم إلى شيء عظيم فسنكون جميعا أفضل).
أقرأ هذا وأنا أسترجع صور مئات الآلاف من الشباب والمراهقين في بلادنا المتناثرين علي أطراف المدن حيث اللهيب المشتعل صيفا والمدارس التي تتمتع بأطول إجازة صيفية في تاريخ مدارس العالم دونما هدف أو شعور بالجدوى ينامون سحابة النهار ويسهرون الليل كله في لعبة كمبيوتر أو فيما هو أخطر: التسكع، المخدرات، البحث عن التسلية والمغامرة بما يجعلهم فرائس سهلة للوقوع في فخ الشر: الضياع، المخدر أو الإرهاب والتطرف.
أعرف أن خططا ضخمة تقود بلادنا والحمد لله وتهدف إلى اللحاق بكل الفرص الضائعة وتيسير الحياة لكل مبدع لكني أرى قصورا في تعميم وتذكر أولئك المنسيين الذين لا يعمل آباؤهم في المدن الكبرى ولا تمتلك عائلاتهم علاقات زواجية مع عائلات مؤثرة في صنع القرار، ولا يملكون من النفوذ القبلي ما يجعل كسب رضاهم أحد مهمات السلطات المحلية.
هؤلاء: شبابا وشابات هم من يجب أن يكونوا في قلب الحدث: أولئك الفقراء المتناثرون الذين لا يعرفون اللغة الإنجليزية ولم يلتحقوا بمدارس خاصة وكان عليهم أن يتعاملوا مع المستشفى الحكومي ولم يحدث أن حظوا بسفرات متتابعة حتى لمدينة عربية.
إنهم بمئات الآلاف وهم من سيشكلون وقود تجربة شابة فتية فيما لو أعطوا الفرص التعليمية والرياضية والفنية والاجتماعية والتوجيهية التي يستحقها أي شاب في عمرهم.
كل واحد منهم يجب أن يشعر بأنه مهم وان الدولة تعامله كأحد أبنائها (فعلا لا قولا في تلفزيون أو صحيفة أو خطاب تخرج) ولا أحد يستحق أن يشعر بأنه مهمل أو منسي في الأطراف لأننا لا نستطيع أن نكون أسوياء إلا حين نشعر بأننا جزء من الكل، وأننا نساهم في التأثير على القرار حتى لو لم نكن قريبين من صانع القرار.
الإرهاب والتطرف وضيق التفسير للنص الديني وللرؤية الاجتماعية والتمايزات الطبقية الهائلة والتحزبات العائلية والمناطقية كلها قضيا ملتهبة ملتفة حول أعناقنا و تشتد في ضغطها علينا كلما واجهتنا مشكلة إرهابية أو اقتصادية.
علينا أن لا نسمح لمارد الجهل والقبلية والتمييز العرقي أو اللوني أو الطائفي أن يتمدد أكثر مما فعل والسبيل لذلك أن نؤمن بأن كل شخص وأي شخص بغض النظر عن من هو: الكل يحمل قيمة إنسانية في ذاته تستحق أن نقف لها لنتأكد من عبوره الطريق إلى بر السلام: بر السلام الاجتماعي بتوفير فرص تعليمية ورياضية وإرشادية تساعده على إيجاد أهدافه الشخصية والوطنية والإنسانية ليعمل من اجلها، كما نفعل مع كل شاب وشابة ممن يقطنون المدن الكبرى.