تأخرت بكتابة هذه الإطلالة الإعلامية لانشغال الكثيرين وبخاصة كبار المسؤولين باستقطاب المملكة ممثلة بعاصمتها «الرياض» بثلاث قمم بالفترة الماضية وبوقت واحد، وذلك يندر مثيله ولكنه ثقل هذا الوطن وحضوره الإقليمي والعربي والإسلامي والعالمي.
* * *
أتناول بهذه السطور حديث وزير الثقافة والإعلام دكتور عواد بن صالح العواد كما قرأته بصحيفة «الجزيرة» وبمواقع أخرى وهو أول حديث له بشأن إعلامي بالغ الأثر والتأثير، ذلكم هو الإعلام الرقمي.. خاصة والإعلام عامة.
لقد تناول معاليه ببعد نظر المسؤول المتابع وغيرة المواطن وبقراءة واعية واقع الإعلام ومستقبله وأثره.
لقد توقفت أمام نظرة معاليه الوطنية لخطورة هذا الإعلام الرقمي تحديداً، إذا لم يكن استقرار وسمعة الوطن أمام عينيه وهو ينقر على «كيبورداته» ليكتب خبراً أو ينقل معلومة أو يغطي حادثة اجتماعية يقول معاليه: «سمعة المملكة أمانة في عنق كل فرد منا وهناك جمعيات وتجمعات ودول تقف ضد المملكة وتبث سمومها وتستغل كثيراً من الأخبار المحلية العابرة لصناعة حرب إعلامية ضد بلادنا».
إنني أتطلع مع معاليه أن يضع ناشطو هذا الإعلام والمشاكون فيه، سواء بالصحف الإلكترونية أو المغردون بتويتر أو رسائل واتس أب»، والمتابعون فيه من أبناء هذا الوطن.. أن يضعوا هذه النظرة منطلقاً لهم، فضلاً عن واجب الإعلاميين كافة تجاه الوطن: أمناً وتنمية ومنجزاً وسمعة مدوية وبلورة لحضوره السياسي والإسلامي والعربي، والدولي ناهيكم عن الإسهام بإشاعة ثقافة التسامح بين أبناء الوطن ونشر قيمة التعايش مع الآخر يقول معاليه: «نريد إعلاماً وطنياً صادقاً، يبرز الدور الذي تعيشه المملكة العربية السعودية ويظهر مكانتها الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لا يمكن أن تقارن بأي دولة أخرى في الشرق الأوسط، ولا بد أن يكون اسم المملكة أولاً، وعلينا أن نعي جميعاً أن سمعة المملكة أمانة».
* * *
وبملمح مهني يدرك منطلقات الإعلام وحراكه أشار دكتور عواد إلى أن الإعلام لا يستطيع أن ينطلق دون حرية لكن الحرية المسؤولة، التي تحتاج إلى ضوابط تنظم هذه الحرية لتبقى حرية لا فوضوية، لقد قال معاليه بكلمات رائعة متزنة وهو يتحدث عن تعديل لائحة الإعلام الإلكتروني التي صدرت بشكل سريع وبتعديل لائحة المطبوعات لأنه لا بد من صدورها وقتها: «سيتم إعادة النظر في لائحة النشر الإلكتروني التي سبق إقرارها، وسنشرك رؤساء تحرير الصحف الإلكترونية في صياغتها، وقد لا يكون كل ما سيتم إقراره في هذا التوجه مرضياً للجميع، ولكنا ملزمون بعمل تنظيم يضمن للجميع حقوقهم، ويرتقي بعمل الإعلام الجديد كما نتمنى وتتمنون».
أدركت من واقع تجربتي «التويترية» ما أشار إليه معالي دكتور عواد حول أثر الإعلام الجديد البالغ والسريع بتشكيل الرأي ونشر الإشاعة وبلورة أي خطاب إعلامي سواء كان خطاب توافق وتواصل أم خطاب كراهية وتقاطع.
* * *
نحن نقرأ ونسمع ونشاهد بالإعلام الأجنبي وبالإعلام المعادي تحديداً الذي تديره إيران وأتباعها.. نقرأ رسائل ضد وحدتنا واستقرارنا وضد سماحة ديننا وقيم مجتمعنا ومع الأسف يتم تغذية هذه الرسائل كما أوضح معالي الوزير من خلال ما تنشره بعض وسائط الإعلام الجديد لدينا، في وقت نناضل من أجل تصحيح نظرة الآخر لنا تلك التي شوهتنا وشكلتها كالوسائط الإعلامية الأجنبية الدولية والمعادية على حد سواء كما أوضحت ذلك بالتفصيل بكتابي «رؤية حول تصحيح صورة بلادنا وإسلامنا».
إن البعض منا يعطي الفرصة لمثل هذا الإعلام ليجد المادة من مفاصل إشاعة أو واقعة مضخمة أو خبر كاذب فينطلق ذلك الإعلام في حفلة يمارس فيها التشويه للنيل من المملكة وأبنائها واقتصادها وقادتها، فلماذا نعطيه العجين الذي يصنع منه الرغيف.
* * *
السؤال هنا
ما هي رسالة إعلام الوطن: هل هو إعلام مديح وإشادة فقط؟ أم إعلام تشويه وإقصاء؟
لقد طرح الوزير رؤية متوازنة بإجابته عن هذا السؤال من مرتكزات إدراكه لضرورة الاعتدال الإعلامي -إن صح التعبير- فقد حيّا النقد الذي ينبه على الخطأ، ويكون شريكاً بالأفكار التي تعين المسؤولين عن تنمية الوطن وبنائه، حيث أبان بكلمات موضوعية مسؤولة:
«الإعلام الوطني هو هدفنا جميعاً، إعلام يبني ولا يهدم، يعزّز من المنجزات ويؤكد عليها، ينتقد بحسّ وطني بلا تشنيع أو مبالغة، إعلام يضع رفعة الوطن ومقدراته نصب عينيه، والحمد لله أن بلادنا تتبوأ مكانة عظيمة بين الدول سياسياً واقتصادياً وثقافياً وحضارياً، ومن حقّها علينا أن نُبرز هذه المكانة بأسلوب إعلامي محترف».
* * *
لم يكن حديث معالي وزير الثقافة والإعلام الجديد تنظيرياً أو حديثاً عابراً، بل أعقبه بتنفيذ ما وعد به بإنشاء «مركز الإعلام الجديد» قريباً، فلم تمضِ أيام على وعده حتى أعلنت الوزارة عن قيامه، وسيتبعه -إن شاء الله- منجزات أخرى.
أدركت من خلال هذا الحديث أن معالي دكتور عواد العواد ليس بعيداً عن واقع الإعلام ورسالته، فهو متابع له: مسؤولاً بالداخل وسفيراً بالخارج ومواطناً يشغله حاضر ومستقبل وطنه ويعرف ما يجب أن ينهض به الإعلام بالدفاع عن قضايا الوطن، ثم بوصفه مثقفاً تجلت ثقافته بتلك الأفكار العميقة التي طرحها حول خطاب الإعلام الوطني ومسؤوليته تجاه تعزيز وحدة الوطن، ومعاضدة مسارات تنميته، وقبل ذلك وبعده ما لمست من تفاعله مع كل رؤى تهدف إلى خدمة إعلامنا وثقافتنا، مع تمتعه بالأدب الجميل والخلق الكريم.
وقد سعدت بتواصل «واتسابي» جميل مع معاليه وإن لم ألتقِ به شخصياً إلا لقاءً واحداً عابراً لم يكن مناسباً للحديث وتبادل الرأي.
لقد كان اختيار القيادة للدكتور عواد لحمل حقيبة الثقافة والإعلام موفقاً، فقد سبرت قدراته وإمكاناته وثقافته، فتم اختياره لهذه المسؤولية الوطنية، وعلينا كمثقفين وإعلاميين أن نقف معه ونسانده بالرأي السديد والمقترح المفيد من واقع تجربة وعطاء كل واحد منا.
وفق الله معاليه للإضافة ولتطوير منظومة الثقافة والإعلام بهذا الوطن الأغلى.