محمد أبا الخيل
في العام (2000)م نشر الدكتور توم بيترز كتابه (Brand you 50) الذي أثار توجه جديد في بناء الكفاءات القيادية لدى التنفيذيين في الشركات الأمريكية، حيث وضع (50) خطة لبناء كفاءات قيادية تحقق لصاحبها (علامة فارقة) بين الأقران تحاكي العلامات التجارية المعروفة (Brand) للمنتجات والشركات والتي تعني (ثقة) و(ولاء) و(شهرة)، فقد شبه الفيلسوف الإداري المعروف القيادي التنفيذي بالعلامة التجارية من حيث انطباع الآخرين وقبولهم لقياديته التنفيذية، وهذا التشبيه هو ابتعاد عن التشبيه الذي ساد في الفكر الإداري خلال القرن العشرين، حيث كان يشبه القائد التنفيذي بالقائد العسكري ويستمد من الأخير سمات يراد للتنفيذيين تقمصها، فكانت الصورة النمطية عن المدير التنفيذ تعكس الغلظة والانضباط والجسارة والحسم وعدم احتمال الأخطاء.
التطور في مفهوم القيادة التنفيذية هو استجابة للتغير الذي حدث في العلاقات الإنسانية كإطار عام لسلوك الإنسان والذي بات أكثر حرية في ممارساته الحياتية نتيجة لسيادة قوانين العدالة والمساواة والتمكين العام لفرص الإنجاز والنجاح، هذا المفهوم الجديد للقيادة بات يتخلى عن القسرية كمنهج قيادي وأصبح يعتمد على الجاذبية، فالقائد التنفيذ يجب أن يتحلى بسمات جذب تجعل الآخرين أرغب في الثقة والولاء والتعبير عن ذلك بحرية ومتعة، والآخرين بهذا المعنى لا يقتصر على الموظفين فحسب بل على العملاء والموردين وشركاء العمل والمجتمع بصورة عامة، فعلى سبيل المثال أصبح من الواضح أن شخصية (ستيف جوبس) القيادية أسهمت كثير في تسويق منتجات (أبل) لكونه خلق علامة فارقة لنفسه كمبدع لمنتجات رائعة تقنياً وفنياً ارتبطت بعلامة (أبل) التجارية فشعر الناس بذلك الارتباط خارج الشركة وحققت الشركة من ذلك أرباحاً هائلة. و الدول لها سمات شركات الأعمال أحياناً، فالدول المتقدمة والمتمتعة بالرفاه والثراء تحقق مزيداً من ذلك إذا كان أمرها بيد قيادة واعية ومبدعة وباعثة للثقة ومحققة الولاء، ولقادة الدول أيضا صيت وسمعة أحياناً تسهم في خلق انطباع إيجابي عالمي عن بلدانهم يساهم في تسويق منتجاتها وجذب الاستثمار والسياحة العالمية، وهذا الانطباع هو نتيجة تسويق ورعاية لذلك الصيت.
ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي ألأمير محمد بن سلمان أو كما بات يشار له في الصحافة العالمية بالعلامة الفارقة (MBS)، ظاهرة جديدة في القيادة السياسية السعودية والتي انتهجت منذ عهد المؤسس ( الملك عبدالعزيز) رحمه الله، نمطاً محافظا في الإدارة يعتمد (شعرة معاوية) كمنهج للحكم، ولكن الأمير محمد بن سلمان (MBS)، أتى لينتهج سياسة الإبداع والشفافية والتكليف الحر,واستباق الزمن لتعويض ما فات من التنمية في سبيل تحقيق تطلعات المواطن لحياة واعدة، وهذا المنهج ليس جديد في السياسة العالمية، فقد انتهجه عدد من الساسة في التاريخ الحديث -لا مجال لذكرهم هنا - وحققوا لبلدانهم نقلات نوعية اختصرت عشرات السنين من السعي لتحقيق مجتمع الرفاه، وفي سبيل ذلك كل منهم واجه النقد والتشكيك والمقاومة أحياناً ممن يهاب التغيير أو يحمي مصالح يهددها التغيير. ومع ذلك تخطوا تلك العقبات وحققوا لبلدانهم تنمية متميزة ولأنفسهم (صيت) ذاع في جنبات العالم، ودخلوا التاريخ من أوسع أبوابه.
الأمير محمد بن سلمان، هو اليوم واحد من أولئك القادة المبدعين الذين يندر وجودهم في الساحة العالمية، لذا أصبح الإعلام العالمي يتلقف ويبحث عن الأخبار أو التصريحات التي تدور حول (MBS)، والتي توجت بجهوده وتخطيطه لعقد ثلاث قمم في أن واحد جمعت أكثر من (57) زعيم دولة في غضون أسابيع قليلة، هذا الأمر أثار الإعجاب والتعجب وبات ذكر (MBS) يتردد يومياً في وسائل الأعلام العالمية كشخصية قيادية قادمة للتغيير في بلاد العرب، وأصبح هناك اقتران شرطي في الذهنية الإعلامية بين اسم المملكة العربية السعودية و(MBS)، فلا يذكر أحدها إلا ويذكر الآخر، حتى أصبحت العلامة الفارقة (MBS) تماثل ارتباط اسم المملكة بالبترول وربما تفوق ارتباط علامات معروفة كأرامكو وسابك.
(MBS) أصبحت علامة فارقة لها سمات وتعبر عن شخصية فذة، وأنا قبل أن أكتب هذا المقال بحثت وتابعت كثير مما كتب في تكوين العلامات الفارقة الدالة على أشخاص، فوجدت أن من أصعب الأمور خلق إعجاب ينمو بصورة متراكمة حول شخصية سياسية وفي فترة وجيزة، ذلك لصعوبة الثبات والاستدامة على ما حقق الإعجاب من نشاطات وسلوكيات يلتزم بها السياسيون، ولكن الأمير محمد بن سلمان استطاع حتى الآن في تكوين ثقة وولاء وإعجاب بما يقول وما يفعل. أسأل الله له التوفيق والسداد وأن ينفع به بلادنا والمسلمين عامة وأن يجعل في جهوده سند ودعم لسياسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز.