يوسف بن محمد العتيق
في السنوات القليلة الماضية وبالأخص منذ صعود سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (أمير قطر الحالي) على العرش القطري وجد المراقبون تغيرًا ملحوظًا عن الدور القطري السابق المثير للجدل، الذي بدأ من عام (1995م) أي منذ الانقلاب الأبيض الذي قام به الشيخ حمد بن خليفة على والده الراحل.
وجد المراقبون في عهد الشيخ تميم أن قطر أكثر هدوءًا وأكثر قربًا من الأشقاء في دول الخليج، من السياسة السابقة، ومع أن هناك أصواتًا تقول: إن الولد يسير على خطى الأب، بل الأب هو من يدير قطر إلا أن العقلاء من أبناء الخليج فضلوا عدم الوقوف عند هذا الأمر، معلنين أن التفاؤل يجب أن يكون هو شعار التعامل بين الأشقاء!
إلا أنه بعد القمم الثلاث الكبرى التاريخية في الرياض طرأ تغير كبير وملحوظ على موقف الدولة القطرية جعل الكثير يتساءل: أين هي الدولة القطرية الحقيقية؟ هل هي دولة قطر التي بدأت بانقلاب (1995 م) أم قطر التي رجعت رجوعًا جزئيًا إلى حظيرة الدول العربية في عهد الشيخ تميم.. وذكرتنا بقطر ما قبل (1995م).
يقول الكل ذلك بعد اطلاعهم على تصريحات منسوبة للشيخ تميم تخالف نهج العمل الخليجي بل العربي الإسلامي، بل حتى الدولي المحارب للإرهاب!!
وقد يقف بعضنا موقفًا مترددًا إذا ما تفاعل مع الرواية القطرية بأن هذه التصريحات مفبركة وغير صحيحة إلا أن هذا التردد يزول بعد الاطلاع على فحوى (الاتصال الهاتفي) بين أمير قطر وحسن روحاني الرئيس المجدد له بقرار المرشد الأعلى!
ألمس في كل ما كتب عن الخروج القطري عن النص مؤخرًا الحزن، وعدم الرغبة في الحديث عن هذا الأمر إلا أن الصدمة كانت كبيرة.
صدمة في تلقي مثل هذه التصريحات، وصدمة أخرى بعد (توقع أو توهم) أن قطر عادت إلى الحضن الخليجي.
وهنا سؤال: هل قيادة قطر بهذه التصريحات الخطيرة والمفرقة للشمل الخليجي تغيّرت عن موقفها أم أنها توقفت عن التمثيل وانكشفت الأقنعة وعادت إلى موقفها وموقعها الطبيعي أم أنها انزعجت من الدور السعودي الأخير وأحبت أن تفضفض بهمها وفق الطريقة القطرية... علمًا بأن هذا الدور ليس غريبًا على السعودية، بل هو حاضر لم تغيره سنوات عجاف في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
في تقديري أن السياسة القطرية حاولت في السنوات القليلة الماضية أن تؤدي دورًا منسجمًا مع الدور الخليجي وبالأخص السعودي إلا أن الأزمة النفسية التي جلبتها لها قمم الرياض جعلتها تخرج عن طورها وتعود إلى الموقف والموقع الطبيعي.
وحتى لا أطيل على القارئ الكريم في الحديث النظري... أنقل هنا نصوصًا من رسائل جامعية قدمت في الوطن العربي لباحثين عرب ليسوا خليجين عن الدور القطري.
قدم الباحث منذر أحمد زكي شراب رسالة علمية بعنوان (السياسة الخارجية القطرية في ظل التحولات السياسية العربية 2003 - 2012م) في برنامج دراسات الشرق الأوسط في جامعة الأزهر (فرع غزة) أي أن الرسالة فلسطينية.
وهذا ما قال الباحث فيها عن دولة قطر مع التذكير بأن الباحث لم يكن في صف السعودية وبقية دول الخليج كما يظنه البعض، بل تحدث عن السعودية ومصر ومما قال في نتائج بحثه: (إن صياغة السياسة الخارجية القطرية الجديدة، يرتب بالأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس وزرائه ووزير خارجيته حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، فقبل صعود الشيخ حمد على رأس السلطة عام 1995، بعد الانقلاب الأبيض على والده).
وقال أيضًا: (إن السياسة الخارجية القطرية متناقضة؛ فهي تمارس الشيء ونقيضه، حيث إن قطر أقامت علاقات مثيرة للجدل مع إسرائيل رغم دفاعها عن القضية الفلسطينية لدرجة أن ذهب البعض لوصفها بالإمارة الداعمة للمقاومة.
وتربطها علاقات وثيقة مع إيران والتيارات الإسلامية المتشددة، وعززت التحالف مع الولايات المتحدة التي تحتضن أكبر قواعدها الجوية في العالم، ومقر القيادة الوسطى لجيشها.
وعادت دول عربية مركزية، مثل: السعودية ومصر، وانقلبت على أصدقاء الأمس...).
وقال أيضًا في نتائجه: (استغلت قطر المؤسسات الدينية خاصة المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين لصالح السياسة القطرية.
فإن استقطاب قطر لقوى الإسلام السياسي مثل عاملاً إيجابيًا وسلبيًا لسياستها الخارجية.
فإيجابيًا حقق لها قبولاً لدى الشعوب العربية والإسلامية، ومنها ورقة مساومة في وجه خصومها، وسلبًا بأن عرضتها للتناحر مع أشقاء لهم ثقلهم في المنطقة وصل في كثير من الأوقات إلى حد سحب السفراء من الدوحة).
كما قدم الباحث بعض التوصيات لقطر ضمن فقرة التوصيات في رسالته ومنها: (يوصي الباحث قطر أن تبتعد عن سياسة المحاور والاصطفاف السياسي المثير للقلق في المنطقة، وأن يكون دورها إطفائيًا لا للحرائق والأزمات، وأن تؤسس علاقات متساوية ومتوازنة مع الجميع).
و(يوصي البحث قطر أن تفك ارتهانها للقوى الخارجية، وألا تكون أداة بيد الغرب. وأن تأخذ في الاعتبار التوازنات الدولية الضرورية، لكن يجب ألا يكون ذلك ذريعة للدخول في محاور دولية وإقليمية تضر بمصالح المنطقة العربية).
(يوصي الباحث قطر أن تكون أكثر وضوحًا مع أشقائها العرب في تنفيذ سياستها في المنطقة، ولا تدع نوافذ الشك والريبة حول ما تنفذه من سياسات وتحالفات في المنطقة منطلق النخر وفتك أعداء الأمة العربية بها).
على قطر أن تسخر إمكاناتها السياسية والاقتصادية والإعلامية لصالح القضايا العربية القومية، وأن تنسق تحركاتها مع الدول العربية تحقيق سياسة عربية موحدة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية).
يوصي الباحث قطر أن تلتزم بسياسة النأي بالنفس عن التدخل بالشأن الداخلي للدول العربية، وألا تؤسس لعلاقات وتحالفات مع كيانات أو أحزاب أو جماعات سياسية داخل أي دولة عربية بمنأى عن معرفة وموافقة النظام السياسي لهذه الدولة).
هذه نماذج مما جاء في هذه الرسالة.
وأما الرسالة الثانية فقد قدمت في الجامعة والقسم نفسه، وهي بعنوان (تأثير السياسة الخارجية القطرية على القضية الفلسطينية 1994-2012م) للباحث تيسير على الحساينة، وجاء فيها: قامت قطر ومنذ اللحظة الأولى للانقسام الفلسطيني في حزيران - يونيو عام 2007م بتشجيع الانقسام، وبحماسة منقطعة النظير، هذا التشجيع لم يكن بالتصفيق والتهليل بالنصر الحمساوي العسكري في قطاع غزة فحسب، بل قامت بتمويله، وذلك من خلال تنسيقها مع الحكومة المقالة في قطاع غزة والابتعاد عن التنسيق مع السلطة الشرعية المعترف بها دوليًا ومن خلال قناة الجزيرة التي تظهر دائمًا حركة حماس بأنها الضحية، وأن السلطة الفلسطينية هي الجلاد.
هذه بعض الدراسات العلمية التي تؤكد الدور القطري في عدة قضايا عربية مهمة على رأسها قضية المسلمين الكبرى، وهي فلسطين.
وهنا لا بد من التأكيد على أن الحديث عن السياسة القطرية محل رفض الجسد الخليجي الواحد تؤكد على أن الشعب القطري الكبير والكريم جزء من منظومة دول الخليج والجزيرة العربية بكل مكوناتها وأطيافها وأنه في سويداء القلب عند كل خليجي وعربي ومسلم.