سعد بن عبدالقادر القويعي
إزاء هذه المتغيرات التي تواجه الأمة الإسلامية في هذا العصر، وما يكتنفها من أخطار، وتحديات سريعة، ومتلاحقة، وشاملة لكل أنشطة الحياة؛ ومنعاً للخلط في المفاهيم، واللبس في التصور، يأتي إنشاء مركز «اعتدال» العالمي لمكافحة التطرف؛ ثمرة للتعاون الدولي في مواجهة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب، العدو الأول المشترك للعالم، ويقوم على ركائز أساسية ثلاث، هي: مكافحة التطرف بأحدث الطرق، والوسائل -فكرياً وإعلامياً ورقمياً-، والذي أعلن عن تأسيسه خلال «القمة العربية الإسلامية الأمريكية»، التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض.
إن عالمنا الإسلامي مشمول بهذه السمة، بل يكاد يكون في قلبها، والمحفز الأكبر لها، فالاعتدال هو القصد المصون عن الإفراط، والتّفريط، والأخذ بالأمر المشروع من غير زيادة، ولا نقصان. كما أنه استواء، واستقامة، وتوسُّطُ بين حالَيْن؛ بين مجاوزة الحد المشروع، والقصور عنه، فهو وسط في التصور، والاعتقاد، وفي العبادات، والمعاملات، وفي التفكير، والشعور، وفي التنظيم، والتَّنسيق، وفي الارتباطات، والعلاقات. وهو باختصار المرتكز الأساس في جميع التعاملات، والعنصر الحاضر في التوجهات -السياسية والفكرية والثقافية الاقتصادية-.
وفي المقابل، فإن ضابط الغلو تعدي ما أمر الله به، وهو الطغيان الذي نهى الله عنه، والذي يشمل التكفير، وقتل المسلمين بشبهات فاسدة، وتدمير الممتلكات -العامة والخاصة-، وقتل المعاهدين، وما ينبني على ذلك من مفاسد، ولا يقف عند حد، أو نوع؛ كل ذلك بسبب عدم الموازنة بين مصادر التلقي، والمعرفة، وعدم القدرة على الموافقة بين صحيح المنقول، وصريح المعقول، وعالم الغيب، والشهادة، وإغفال النصوص، ورعاية المقاصد، واستجلاء القواعد، وحكم الشريعة، وأسرارها، -إضافة- إلى إهمال الموازنة بين تحقيق المصالح، ودرء المفاسد.
بقي القول: إن ما يوصم به الإسلام من تهم، وافتراءات؛ نتيجة ما يرتكبه بعض المنتمين إليه من جرائم، لا يقرها دين صحيح، ولا يقبلها عقل سليم، ولا تستسيغها فطرة سوية، تقتضي تفعيل سياسة الاعتدال؛ من أجل التفاعل مع مختلف الثقافات، ودعوة العالم -بأسره- إلى التعايش الحضاري الواعي، ونبذ كل أسباب الفرقة، والتعصب، ومظاهر الظلم، والاستبداد، والطغيان، والسعي إلى الانفتاح حول تقبل الآخر، وبناء العلاقات الإنسانية، ومد جسور التواصل، والاحترام المتبادل، وغيرها من القيم، والمبادئ التي تقوي النسيج الوطني، وتعزز السلام الاجتماعي، وتلك الأسس -في تقديري- تعبر عن منهجية مسلَّمة، ونصوص صريحة من الكتاب، والسنة، وحقيقة تاريخية ثابتة، وضرورة تقتضيها مستجدات العصر.