تسعى الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس «دونالد ترامب» منذ وصولها إلى البيت الأبيض لإلغاء الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما مع إيران عام 2015، والذي كان يهدف لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية مع إيجاد نوع من التقارب والتطبيع في العلاقات بين البلدين، حيث دفعت بمزيج من المحادثات الدبلوماسية والحوافز الاستراتيجية في محاولة لتحويل إيران من دولة مارقة إلى دولة تضطلع بدور بناء في منطقة الشرق الأوسط.
وقد دخل الاتفاق النووي الذي يحمل عنوان «خطة العمل الشاملة والمشتركة» حيز التنفيذ في يناير 2016م بعد توقيعه من الدول الخمس العظمى (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) وإيران، حصلت بموجبه الحكومة الإيرانية على رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية والعسكرية الدولية المفروضة عليها، مقابل ضمان الطبيعة السلمية للبرنامج النووي.
وكانت إيران بعد توقيعها الاتفاقِ النووي مع مجموعة (5+ 1) قد استغلته لتوسيع نطاق نفوذها السياسي والعسكري على الساحة الدولية، فأعلنت سقوط عدد من عواصم الدول العربية تحت سيطرتها (بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء)، كما سعت للتخريب السياسي في عدد من الدول العربية وقامت بدعم التنظيمات الإرهابية التي تدور في فلكها كحزب الله في لبنان، والعصابات الحوثية في اليمن، ومنظمة بدر وحركة النجباء وعصائب أهل الحق وكتائب الإمام علي وسرايا الخراساني وكتائب سيد الشهداء ولواء أبو الفضل العباس في العراق، ولواء فاطميون في أفغانستان، ولواء زينبيون في باكستان.
لقد ساعدت السياسات الاقتصادية، التي طبقتها الحكومة الإيرانية، خلال فترة فرض العقوبات الدولية عليها، مع عدد من الدول الكبرى كالصين وروسيا، في بناء إحدى أهم «القوى الناعمة» لها، حيث أصبحت العلاقات الاقتصادية تلك بمثابة القوة الدافعة باتجاه المزيد من التعاون في المجال العسكري والسياسي، حتى وصل مؤخراً إلى درجة عالية من الدعم والتنسيق، وهو ما قد يفسر سر رفض الدولتين لفكرة إلغاء الاتفاق النووي المبرم مع إيران، والذي يعتزم الرئيس الأمريكي القيام به.
ويرجع أسباب إخفاق الإدارة الأمريكية السابقة في هذا الشأن، إلى عدم معرفة صناع السياسات آنذاك في واشنطن بحقيقة ما كان يدور في الدوائر الداخلية للنظام الإيراني، وعقيدة قادتها الذين طالما مارسوا «التقية السياسية» عند رسم وتنفيذ سياسة إيران الخارجية، وهو ما أنتج فهماً خاطئاً وأحكاماً جانب معظمها الصواب في تفسير ما تقوم به إيران من أعمال على الساحة الإقليمية والدولية.
ويواجه الرئيس ترامب في هذا الملف خيارات صارمة، فإما مواجهة الطموحات النووية الإيرانية ونشاطاتها التوسعية، أو قبول الهيمنة الإيرانية الجديدة التي من شانه إلحاق الضرر بالأمن القومي الأمريكي وحلفائها، وسيادة القتل والدمار وحرمان المنطقة برمتها من نعمة الاستقرار والسلام.
إن فهم إدارة الرئيس ترامب «للمنظور الاستراتيجي الإيراني» بما في ذلك شعارات «معاداة أميركا»، والفكر الثوري لصناع السياسات والأهداف الإيرانية، ونمو التوسع الإيراني في نطاقه وتهديده، يجعل إعادة النظر في الاتفاقية النووية من أولوياته، وذلك لإلغائها أو إجراء تعديل جوهري على بنودها، بما يكفل منع إيران من حيازة الأسلحة النووية والقدرة على مراقبة مدى التزامها بالاتفاق. فالوسائل الدبلوماسية السابقة لا تضمن تحقيق ذلك، وصناع السياسات في إدارة الرئيس ترامب يركزون على الفكر الذي يقود الأفكار على الجانب الآخر من الطاولة الدبلوماسية، وهو ما سيكشف لهم حقيقة ومدى الخداع الإيراني لامتلاك السلاح النووي.
- د.عبدالعزيز الأسمري