عروبة المنيف
وصلتني رسالة جميلة مفادها أن إدارة إحدى المدارس في أمريكا أرسلت رسالة إلى الآباء والأمهات قبل أسابيع قليلة من الامتحانات تعلمهم بأن امتحانات أولادهم ستبدأ قريباً، وأن الإدارة تقدر حرص الأهالي على نجاح أولادهم وتفوقهم، ولكن أرادت أن تذكرهم، أن من بين أولادهم الذين سيتم امتحانهم هناك الفنان الذي لا يحتاج لفهم الرياضيات، وهناك أصحاب المشاريع الذين لا يهتمون للتاريخ والأدب، وهناك الموسيقي الذي لا يهتم لعلامته بالكيمياء، والرياضي الذي لياقته البدنية أهم لديه من الفيزياء. فإن حصل ولدكم على أعلى الدرجات، فهذا عظيم! وإن لم يحقق ذلك فنرجو منكم ألا تسلبوا منه الثقة بالنفس والكرامة.
عندما نعي حقيقة أننا مختلفون، وأن هناك فروقاً فردية بيننا، وأن أبناءنا لا يتشابهون كذلك، فلكل واحد منهم شخصيته وعقليته وموهبته وإمكانياته المختلفة عن الآخر، فالتوأمان، يختلفان في شخصيتهما وإمكانياتهما ومواهبهما على الرغم من تعرضهما لذات التربية والبيئة، فكيف بغيرهما؟. متى نتوقف عن العتب والحط من قدر الأبناء بمقولة «شف فلان» ومدى تفوقه وإنجازه، ومدى فشلك وتأخرك، و»شف علان» ماذا حقق وماذا فعل، ومتى تصبح مثل «ولد فلان» ترفع رأسي بين الرجاجيل، ويا «ردى حظي» فيما وهبني الله من ذريه، لا تليق بي وتفشلني!!.
لنتخيل مدى تأثير تلك العبارات المقارنة المحبطة وغيرها الكثير، على الأبناء وعلى مدى ثقتهم بأنفسهم واعتزازهم بذواتهم وبالتالي على تفوقهم وتميزهم، فأساليب المقارنة ما هي إلا معاول هدم للأبناء ولكمال شخصياتهم، فهي لا تحطم الأبناء فقط، بل وتحطم الوالدين أيضاً. إن ممارسي تلك الأساليب المدمرة، يتألمون، ويتساءلون دوماً «لماذا أنا»؟، لماذا أبنائي يفشلون، وأبناؤهم ينجحون؟ لقد وفرت لأبنائي كل احتياجاتهم، فما هو ذنبي وما سبب عقابي بأبناء فاشلين؟!!، وهكذا تستمر دائرة التنكيل بالنفس وجلد الذات لتشمل الجميع «الوالدين والأبناء». في النهاية، يكون الحصاد، المشاعر السلبية السيئة من إحباط وكآبة ويأس وغل وحسد، ما يجلب التعاسة والأمراض النفسية والجسدية، وبالتالي ينعكس على تصرفات الأبناء كاللامبالاة، فالآخرون أفضل منه مهما فعل، أو الحسد والغيرة والدونية التي تستنزف طاقتهم وتقتل مواهبهم.
تحضرني طرفة بهذا السياق، وهي، أن أحد الآباء كان يحث ابنه على الدراسة ويقول له، بأن نابليون كان متفوقاً عندما كان بالمدرسة وبعمرك، ليرد عليه ابنه قائلاً، أعرف يا أبي، كذلك كان نابليون إمبراطوراً عندما كان أباً مثلك!
يتطلب الأمر من الآباء والأمهات أن يتقبلوا اختلافات أبنائهم وعدم عقد مقارنات مع أقرانهم، من الطبيعي أن يكون أبناء الآخرين أذكى وأكثر تفوقاً من أبنائنا، فالله هو الرازق، وقد وهبني هذه الذرية لحكمة من عنده وليختبر مدى قدرتي على تربيتها التربية الصالحة، ومدى تقبلي لإمكانيات أولادي وعدم ممارسة أساليب المقارنات المحبطة التي تسرق منهم الفرح وتجلب معها الحزن والكآبة واليأس للجميع.