أمل بنت فهد
إن من يتصدر المجالس بذكر أهله وناسه وأحبابه بالسوء وتصيد الزلل وتحري الفرص.. كمن يأكل جسده في منظر غاية في البشاعة والدموية.. إنه ذاته المسخ الذي يتغذى على أطرافه.. وماذا ينتظره بعد أن يلتهم نفسه!
إنه المخلوق الذي لا يمكنك أن تمنحه الثقة.. لأنه خان أقرب الناس إليه.. ولن تأمن جانبه لأنه غدر بأهله.. إنه صفقة خاسرة في كل الأحوال.. حتى وإن كان هدفك النيل من أحبابه.. فإن دناءة ما حدث لن تغمرها لذة نصر قامت على الخيانة.
وهذا ما يحدث تماماً حين نتحدث عن الوطن.. لأن الوطن أهلك.. الوطن مالك.. الوطن شرفك.. الوطن كرامتك.. وأحقر البشر من عاش على ظهر وطنه.. يطعنه ويشرب من دمه.. حين ينافح عن الغريب.. وحين يأخذ صف العدو.. وحين يتحول إلى شوكة عالقة في قلب الوطن .. حين لا يفهم معنى الوطن.. ولا يعرف كيف يعيش وطنيته.. يصعب أن نصدق ذريعة الجهل.. لأن حب الوطن كحب الآباء والأمهات.. أمر فطري لا يمكن حجبه.. فهل يعقل أن تخون أمك أو أباك بسهولة؟
يصعب أن ينال أحدٌ من أهلك وتسكت.. أو تصفق له.. أو تبحث له عن معاذير.. أو أن تمارس دور النبيل.. لا مكان لنبلٍ أو براءة حين يكون محور الحدث وطن.. لأنك حين تستهين بوطنك.. فإنك تفتح للأعداء ثغرة لينالوا منه.
حين تتعامل بهوادة ولا تأخذ قضايا الوطن على محمل شخصي.. فإنك تخون نفسك.. تخون كل قطرة دم قدمها الشهيد على حدود الوطن.. فهل استشهد الأبطال لتترك الوطن لقمة سائغة للأعداء.
نعم حتى السكوت خيانة.. حتى وإن ظننت أيها الطيب أنك ستقول خيراً أو تصمت.. عند حدود الوطن تنتهي هذه القاعدة.. ويفقد أهميته هذا المبدأ.. لأن الوطن قضيتك الأولى.. فدون الوطن نحن لا شيء.. حقيقة لا شيء.
الوطن فوق الظنون.. وفوق المصالح الشخصية.. وفوق الذات.. وفوق كل شيء.. تحميه من الكلمة.. ومن الموقف.. ومن السلاح.. تذود عنه بكل ما تملك.
انظر حولك واعرف مصير من خسر وطنه.. اعرف حجم الضياع والدمار.. افهم معنى الخوف الذي لا ينهيه إلا الوطن.. لا حضن يمكنه أن يحميك إلا الوطن.. ومهما استعرت من هنا وهناك.. فإن الوطن واحد وغيره مجرد استعمار.
ليكن لديك موقف تسجله أمام القاصي والداني.. أن وطنك خط ليس أحمر فقط.. بل خط من الجحيم.. يحرق ولا يذر.. وحين تفعل تنحني لك جباه الأصدقاء قبل الأعداء.. وتخاف منك أعتى عقول التدبير.. لأنهم يدركون أن الأوطان تؤتى من أبواب الخيانة.. وتخترق من قلوب المحبطين.. الذين يظنون أن الوطنية أخذ دون عطاء.. إنهم ثغرات أطاحت بدول راهنت على البقاء.. لكنها لم تنتبه لهشاشة داخلها.. لم تدرك أن العدو ما تجرأ عليها من الخارج.. إلا بعد أن اصطاد أبناؤها من الداخل.. فالحصن المنيع يفتح من الداخل فقط.