خالد بن حمد المالك
سنظل نتمسك بلغتنا الجميلة والهادئة في مخاطبة سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي نعوّل عليه كثيراً في أن ينقاد إلى مصلحة قطر، وإلى عدم تمكين المجاميع الإرهابية من الاستمرار بالإقامة في بلاده، فالإخوان المسلمون إرهابيون، بما لا ينبغي أن يكون لهم موقع قدم للمكوث في قطر بعد اليوم ما لم يلتزموا بأصول الضيافة، ويتوقفوا عن أن يكونوا الحضن الدافئ لتوالد العمليات الإرهابية بتخطيط ودعم منهم، لتأخذ وجهتها فيما بعد إلى أهدافها المرسومة للإضرار بدول عربية وغير عربية، دون أن يقدروا أريحية شعب قطر، وضيافته لهم.
* *
وللتذكير، فقبل قطر، كانت المملكة ضحية هؤلاء الأشرار، فقد استضافت المملكة خلال العقود الماضية عناصر من الإخوان المسلمين، وأنقذت رقابهم من موت محقق لو واصلوا البقاء في بلدانهم في مصر وسوريا وغيرهما، ومكنتهم من أن يعملوا بأرقى المواقع، ويتمتعوا وأولادهم بما يتمتع به السعوديون في التعليم والصحة والحياة الحرة الكريمة، لكنهم عضوا اليد التي أطعمتهم، ونكثوا الوعد الذي التزموا به وعاهدونا عليه، وتآمروا علينا، ولم يلقوا بالاً أو اهتماماً أو تقديراً للضيافة والمعاملة الحسنة.
* *
وقد أدركت المملكة خطورتهم، بعد سنوات طويلة من معاملتها لهم بحسن نية، وتصديها لمن كان من الحكام يبيت لقتلهم، وتحملت كل الأعباء في سبيل صون دمائهم من مجازر دموية كانت تنتظرهم في بلدانهم، وفي الأخير تبين للمملكة أن الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وتنظيم سياسي يشكل خطورة على أمن المملكة واستقرارها، وأن قادة هذا التنظيم السياسي يسعون للاستيلاء على أنظمة الدول الإسلامية بقوة السلاح، مدعوماً من الخارج، ومن قطر تحديداً.
* *
فكان أن صنفتهم الرياض بوصفهم حركة إرهابية، فيما تقوم قطر ولا تزال باستضافتهم، وتمكنهم من ممارسة نشاطاتهم الإرهابية، مستخدمين وسائل الإعلام المتاحة لهم كقناة الجزيرة، حتى أصبحت الدوحة وكأنها أقرب ما تكون إلى غرفة عمليات لنشاطاتهم، يتدخلون في شؤون الدول الإسلامية - العربية تحديداً - ويتم تنظيم المؤتمرات واللقاءات والاستضافات السياسية للرموز الإخوانية المؤثرة في الدوحة، بحسب ما نشاهده عبر قنوات التلفزة في قطر، وخاصة قناة الجزيرة التي تعتمد برامجها وأخبارها على زرع الخلافات، وبث الكراهية، بين الدول العربية.
* *
وتصريح سمو أمير قطر إذا سلمنا بأنه حدث وفقاً للرواية القطرية الرسمية بفعل فاعل قام باختراق وكالة الأنباء القطرية، فإن أصابع الاتهام لمن قام بهذا الاختراق سوف تتجه أول ما تتجه إلى العناصر الإرهابية المقيمة في قطر، فمن أهدافها وسياساتها أن تضع قطر وأميرها في هذا المأزق، وتحرجهم أمام من كان ينصحهم بالحذر مما يخفيه هؤلاء الضيوف الخطيرين، دون أن تلقي الدوحة بالاً للناصحين المحبين لقطر وأميرها وشعبها وعلى رأسهم الملك سلمان بن عبدالعزيز.
* *
وعندما نتحدث عن تصريح الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لوكالة الأنباء القطرية، فلا يمكن أن يستقيم كلامنا بمعزل عن ربط هذا التصريح بمن يقيم في قطر من الإرهابيين، ولا تفريغه من محتوى اتهام قطر بأنها دولة إرهابية طالما بقي رموز الإخوان المسلمين وحماس وغيرهم من الإرهابيين يتمتعون بالحرية، ويجدون كل الدعم لممارسة نشاطاتهم الخطيرة، وهو دعم مكنهم من الإقامة في قطر، وممارستهم بحرية كاملة لأعمال ونشاطات إرهابية مضرة بجيران الشقيقة قطر، فضلاً عن دعمهم مالياً وإعلامياً وسياسياً ما لا تستطيع الدوحة أن تخفيه أو تنفيه.
* *
إن حوارنا الهادئ مع سمو أمير قطر، يتم ضمن الضوابط وبما لا يخرج عن دبلوماسية التفاهم المرن، بأمل أن تعيد قطر النظر في مجمل سياساتها، وبخاصة ما يتعلق بأمن دول المنطقة الخليجية العربية، مؤكدين على أن أي نشاط مشبوه يكون مصدره الدوحة، ويمس أمن واستقرار دول مجلس التعاون لن يكون مقبولاً في أي حال، وسوف يتم تطويقه، وهزيمته مهما كان الثمن، ولعل التصريح (المخترق!!) يكون بوابة قطرية لخروجها من النفق المظلم، وإعادة النظر في دعمها للإرهابيين، نسبة لما يمثله ذلك من استفزاز وتعد على أمن دول المجلس واستقرارها.
* *
على أننا، ومع التأكيد على أن قطر بهذا التصريح أو بدونه، ليس مقبولاً منها ولا مسموحاً لها أن تكون ملاذاً آمناً لمن يخطط ضد مصالح دولنا، أو يسعى لأن يعرض سلامتنا للخطر، ومهما كانت الاستعدادات وحجم التحضير في الدوحة لأي من المؤامرات المرسومة لذلك، فإن المملكة ودول المجلس تملك من القوة والتعاون ما يجعلها قادرة على التصدي لأي مؤامرة تحاك ضد مصالحها، بل والقيام بعمل استباقي يفشل أي مؤامرة يتبناها هؤلاء الأشرار بدعم من قطر وإيران.
* *
غير أننا لا نزال بانتظار موقف قطري مسؤول يرجح مصلحة قطر ودول المجلس على غيرها، وهذا لن يتحقق ما لم تعيد قطر النظر في مواقفها، وتنأى بنفسها عن الإضرار بأشقائها دول مجلس التعاون والعرب، فتصريح الأمير تميم حرك المياه الراكدة في علاقات قطر بالمملكة ودول المجلس، وجعل من هذه العلاقة مجال ريبة وشك مع الإصرار قطرياً على أن التصريح المنسوب للأمير غير صحيح، وأنه تم اختراق وكالة الأنباء القطرية، وتمرير التصريح المشار إليه، دون تفاصيل قطرية أخرى مقنعة، تجعلنا جميعاً في اصطفاف مع الرأي القطري الرسمي المشار إليه.
* *
كلنا أمل، ومن باب التمنيات والحب الكبير لقطر أميراً وحكومة وشعباً، أن نرى تعاملاً مختلفاً ليس مع هذا التصريح الأميري الخطير فحسب، وإنما مع مجمل علاقات قطر مع أشقائها دول مجلس التعاون، وأن تقترب الدوحة من سياسات الأشقاء الذين لا يتمنون لها إلا الخير والحب والرغبة في أن تكون قطر آمنة ومستقرة.