د.ثريا العريض
المبدع مفيد النويصر حاول جاهداً إقناعي بأن أكون ضمن ضيوف برنامجه المميز "من الصفر". وكاد أن يقنعني لولا أن الارتباطات الضاغطة في الوقت المحدد للتسجيل لم تسعفنا وإن رغب الطرفان. وهو بلا شك برنامج رمضاني يتفوق على عشرات من برامج أخرى تكتظ بها المحطات الفضائية.
يقول مفيد وهو يعايدني برمضان بالواتسآب: "خسارة".
وأفكر: خسارة لمن؟
منذ الطفولة وأنا ودعوات الظهور ببرامج التلفزيون ومناسبات المواسم والمقابلات الشخصية في الفضائيات العربية والعالمية في تقاطع مستمر.
ولكن برامج رمضان أصبحت جزءا من حياة الجميع منذ دخل الراديو حياتنا إلى الآن قفزنا قفزات أهدرت صفاء الشهر الفضيل بإعلانات شركات الأغذية والكثير من الخواء الفكري.
رمضان الآن يرتبط في ممارساتنا بالفضاء الافتراضي. بينما رمضان الطفولة كما أذكره كان موسم السلام والأمان والاطمئنان والهدوء والتقرب إلى الله والى الآخرين في الجوار القريب.. هكذا أذكره وربما السبب هو أن الطفولة عادة لا ترى إلا المظاهر الواضحة.
أما الآن في زمن الفضائيات وشبكة الإنترنت وتويتر، فرمضان لا يختلف في إحساسنا به عن بقية شهور العام، إلا من حيث القيام والصيام الذي نحس تأثيراته جسدياً، من العطش إن لم يكن الجوع خاصة وموسم رمضان هذا العام يأتي في عز الصيف، ويحتم الانقطاع عن شرب الماء 15 ساعة متواصلة. هذا إحساس بدني خالص، أما الانفعال العاطفي والفكري فلم يعد يسمح بشعور الاطمئنان والهدوء. وما نعايشه عبر الفضاء التواصلي، من تأزمات الجوار والصراعات الكونية - منذ عبرنا إلى الوعي بما يحدث خارج العائلة - في المحيط القريب والبعيد يجعل الشعور بالأمان أقرب إلى واقع افتراضي منه إلى الحقيقة الملموسة.
نشرات الأخبار ملغمة بأنباء التفجيرات وتفاصيل معاناة ضحايا الحروب الداخلية واللجوء إلى بلاد يرفض ساكنوها تدفق اللاجئين بالملايين. والتصريحات قلما تتعدى القوالب الإنشائية المطلوبة لتوضح الحقيقة غير المرغوبة.. فهي لا تطمئن بقدر ما تدفع إلى جهد مضنٍّ لتفهم ما يختفي وراءها من حقائق مستترة لا تدعو للسكينة.
هل بسبب ذلك أم بسبب الجهل بأهمية ما يجري خارج عالمنا الحميم تهرع الغالبية إلى متابعة المباريات الرياضية، أو المسلسلات، وأغلبها مكررة المحتوى العاطفي أو التاريخي، أو حتى هابطة الذوق؟
نعيش في عالم متوتر ضاغط على الأعصاب ولا مجال فيه لهدوء يأتي من انقطاع اختياري عن مسببات التوتر؛ ببساطة لأنّها تحيط بنا من كل جانب. حتى العالم الافتراضي مليء بالضجيج والصخب والصراخ كما يعبر عنه مسلسل "رامز تحت الأرض" أو "غرابيب سود".
وبين مسلسل ومسلسل يثبت المرء وجوده بإضافة تعليق لقروب الواتسآب أو حساب التويتر متجنبا الهاشتاقات.
مر يومان من رمضان وحتى الآن لولا "سيلفي" و"من الصفر" لاكتفيت بتويتر وحوار الأقربين. وأحلم بانشغال أفضل لرمضان زمن الشبكة.