رمضان جريدي العنزي
الأفاك من الإفك وهو الكذب، والأفاك هو الكذاب كثير الكذب، الذي أصبح الكذب سجيته وطبعه وديدنه، والأثيم هو كثير الإثم، والإثم عادة يكون بالأفعال أكثر من الأقوال، وكلاهما فعل مقيت، وشر مستطير، وعادة قبيحة، وعمل مشين، لم تكن المرة الأولى التي تطعننا فيها «قطر» بالخاصرة، لكنها هذه المرة كانت أكثر تجلياَ ووضوحاً، وفي الوقت ذاته كانت أكثر تخبطاً، وأكثر ابتزازا، وأكثر دساً للسم في العسل، لم نكن نحتاج إلى أدلة أو قرائن تثبت التورط القطري في سياسة الرعاية للتنظيمات والدول والأحزاب الإرهابية وجلب المرتزقة للعمل في الميدان الإعلامي لديها وإدارة تلك العلاقة بالعلن تارة والخفية تارة أخرى، بحيث تبقي على خيوط اللعبة بما يتناسق مع أجنداتها المرحلية ودوافعها المستقبلية، لكن يبدو أن معركة طحن العظام سياسياً ودبلوماسياً كعنوان يحكم العلاقات الدولية في المرحلة الراهنة ينتقل بالضرورة إلى الميدان بصيغ أكثر قسوة، ويفرض محددات أكثر لمعالم المعركة القادمة بفصولها المتدحرجة، ويعطي مؤشرات قاطعة على أن المواجهة التي أرادت لها قطر أن تكون تحت عناوين عدائية فاضحة انطلقت، لكن ليس كما أرادتها قطر ودافعيها وأعوانها، وإنما في ميدان آخر وبعناوين أخرى تختلف جذرياً عما سلف من مؤامرات خفية حاكتها لنا قطر طويلاً وفق تفاصيل مرة، أن من الصعب على كل عاقل وفاهم وحكيم فهم وتفسير هذا الفجور السياسي القطري الذي يمارس علينا منذ ربع قرن مضى.
لقد حاول القطريون وفق تجلياتهم الوصول إلى مرتبة الآمر الناهي المنزل للحق والحاوي له والعامل به دون غيرهم، والمفارقة أن ما تحيكه الدبلوماسية القطرية يفتح الأبواب بدل إغلاقها، ويوصل السيل بما سبقه بدل أن يقطع ما هو قائم، وإن الأخطر أن يكون الخطاب السياسي القطري مبنياً على بيع الوهم وتجارته الرائجة هذه الأيام، وهي ترسم خطوطاً من منحنيات وتعرجات لا تترك مجالاً للتأويل، ولا موضعاً للتفسير بحكم أن المعضلة التي تواجهها قطر لم تعد في الوهم والغش والزيف والتدليس، باعتباره حالة تعبر عن إفلاس واقعي يقود إلى الهاوية، وإنما في استطالاته المرضية التي باتت تشكل عبئاً يثقل كاهل قطر ذاتها، وفي ذاكرتنا ما يكفي لسرد ما هو أخفى وأعظم في مجال التآمر القطري المجنون، لن نذكّر بما تحتفظ به أيضاً تلك الأقبية والغرف التي تدار من الداخل القطري، وهو ليس مقتصراً على سنوات مضت منذ وقت قريب، بل تتعداها إلى سياق تجربة تراكمت في الكنف القطري حتى باتت ماركة مسجلة باسمه، لا يجرؤ أحد رغم باعه الطويل في الخدمة المجانية أن يجاري ما توافر لدى قطر من خبرة وما ورثته من دور وظيفي لا بد أن نعترف بأنهم أجادوا استخدامه كما هو مرسوم لهم ومطلوب، بل أتقنوا تنفيذه مع إضافات بهارات كانوا يتبرعون بها، وخدمات مجانية في أحيان كثيرة كانت تفيض عن حاجة الشريك الإيراني وبقية الأحزاب والأوغاد التابعين.
في كل الأحوال ما يعنينا ليس ذلك الردح القطري ولا ما يتقوّلونه تجنياً وافتراء ولا في دحض ما يسوقونه، ولا ما يتاجرون به من أوهام يبيعونها بأبخس الأثمان، وإنما الشعب القطري الذي يشاركنا ونشاركه التطلع المشروع والطموح الأنيق إلى استقرار المنطقة، وأن أي اهتزاز هنا أو هناك يشمل الجميع، وليس من أحد بمنأى عنه، ولا هو خارج سياق تداعياته وانجرافاته، وهذا ليس وليد اللحظة، بل له امتدادات في المشهد الزمني لعقود خلت، وكان في كثير من الأحيان دافعاً لتحمل طويل وصبر أطول على كثير من التطاول في السياسة والإعلام والدبلوماسية التي مارستها قطر، مرة دساً في الأقبية، ومرة علناً في المنابر الدولية، كما جاهروا باستخدامها في الجلسات المغلقة وأقبية الاستخبارات وغرف إدارتها في توجيه التابعين لها والمناصرين وبمشاركة المرتزقة والمنتفعين، أظهروها هذه المرة علناً من باب التفاخر والتبجح والتحدي القاصر الزائف، لن يضير السعودية وبقية دول الخليج العربي المعتدلة أن يتحول العمل السري والعلني الذي تقترفه قطر، ولا مداولات الغرف المغلقة إلى سقوف مفتوحة تفضح ما تخفيه خلف ستار الشعارات وأكاذيب الادعاء، حين تنخرط قطر رسمياً في خطط إيرانية تعلنها هي بنفسها وتعلنها إيران ذاتها، ويجاهر الاثنان بها بغباء تام، وبعيداً عن الدبلوماسية الحكيمة، والسؤال الأهم الذي يترتب على قطر أن تجيب عليه وعلى سياستها الموتورة، ماذا سيترتب على قطر ذاتها من هذه السياسة النافرة؟ وإلى أين سيقودها هذا التوتر وهذه المراهقة، وكيف هي حسبتها في الربح والخسارة؟ أن الحقيقة جلية لا تحتاج إلى من يجزم بها، لكن من نافذة الأمل بأن الوهم لا بد أن ينقشع يوماً وأن تكف قطر الشقيقة الصغرى عن المتاجرة بجيرانها ودورهم ووجودهم، وأن تتخلص قطر ممن يريدون أن يجروها إلى حيث لا مصلحة لها فيه، ولا ذنب للقطريين في تحمل تبعاته، فربما حانت اللحظة التي تتيقن فيها قطر بأن الاختباء خلف الأصبع الصغير لا يجدي نفعاً، وأن الاستجداء بغربال الغير الغريب للتغطية على العجز والإفلاس السياسي والرضوخ والاستسلام لهذا الغريب الشرير لن يحجب الحقيقة والواقع، ولن يجلب الخير والسلام والنماء.