م. خالد إبراهيم الحجي
إن تحقيق المساواة في الدخل وتوزيع الثروات بين أفراد المجتمع صعب المنال؛ لأن التباين والاختلاف سنة الحياة في كل شيء، والآية القرآنية (164) من سورة الأنعام {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} أي في الرزق؛ ولذلك فإن تفاوت الدخول هو الشيء الطبيعي والحتمي الذي لا مفر منه.. وحتى الآن لا يوجد طريقة محددة يمكن تطبيقها لتضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ولا يوجد علم حديث أو تكنولوجيا يمكن تطبيقها لتحقيقها. وهناك أسئلة عديدة تدور في أكبر العقول الاقتصادية لمحاولة تقريب الفجوة بين الفقراء والأغنياء لتحقيق المساواة بينهما، ومن هذه الأسئلة: لماذا يوجد دائماً فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء؟ والإجابة تتمثل في النقطتين التاليتين: (1): إغراق سوق العمل بمخرجات التعليم التي لا تلائم احتياجاته من حيث التخصص أو تفوق حاجته. (2): وجود معدلات عالية من البطالة في أسواق العمل مكنت طبقة رواد الأعمال التجارية والصناعية وأصحاب المؤسسات والشركات من تحقيق الأرباح المرتفعة بسبب كثرة العمالة المتوفرة فخفضوا الأجور والمرتبات. ومن الأسئلة أيضاً: هل يمكن تضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء؟ وكيف يمكن تضييق الفجوة بينهما؟ وللإجابة على السؤالين السابقين لتضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء يجب علينا أن نسعى إلى تحقيق الخطوات التالية:
الأولى: علم الاقتصاد الحديث والتقدم الصناعي والتكنولوجي الذي نعيشه في الوقت الحاضر يجب أن يعمل على توظيف الطاقات البشرية، والاستفادة من الثروات الطبيعية بطريقة عملية أفضل من الطرق السابقة لتنمية ثرواتنا، وزيادتها نحو تضييق اتساع الفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء.
الثانية: يجب على رواد الأعمال التجارية والصناعية وأصحاب المؤسسات والشركات المشاركة الفعالة في المجتمع بعدم استغلال ارتفاع معدلات البطالة في أسواق العمل لتحقيق الأرباح المرتفعة لصالحهم؛ وذلك بإعطاء أجور ورواتب مناسبة للعمال، ومبالغ إضافية للدخل الأساسي لكل فرد على غرار المكافآت الشهرية والعلاوات السنوية لوصول الأفراد والأسر إلى المعايير المعتدلة والكافية للعيش الكريم؛ لأنها تحتاج قدراً مناسباً وكافياً من الدخل المالي لسد احتياجاتهم من المأكل والمشرب والملبس والمسكن، بحيث يُمَكِّنهم من المشاركة الفعالة البناءة في المجتمع.
الثالثة: التعويضات من برنامج حساب المواطن السعودي الذي تم إنشاؤه لسد الزيادات المتوقعة في مصاريف منتجات الطاقة والمياه عند رفع الدعم الحكومي السعودي عنها؛ لتوفير الحماية لأصحاب الدخل المنخفض والمحدود لتحقيق التوازن المالي عندهم مع باقي أسر المجتمع، ولتقليل الفروق المالية التي تظهر بعد الخطوتين السابقتين.
الرابعة: وضع حد أدنى للأجور والمرتبات قبل إخضاعها للعرض والطلب الذي يُحْدث الفروق بينها. وفي الاقتصادات الحرة المتقدمة تخضع الأجور والمرتبات دائماً للعرض والطلب فوق مستويات الحد الأدنى، وعندما يكون عرض عدد العمال المتقدمين للعمل كثيراً تنخفض الأجور والمرتبات، والعكس عندما يكون عرض عدد العمال المتقدمين للعمل قليلاً ترتفع الأجور والمرتبات؛ أو بمعنى آخر التناسب عكسياً بين عدد العمال والأجور والمرتبات.
الخامسة: يجب أن ندرك أن العلم الاقتصادي الحديث الذي مكننا أن نكتب الأنظمة الاقتصادية وقوانين العمل التي جعلت الاقتصاد يخلق الفجوة بين الفقراء والأغنياء سيمكننا أن نعيد صياغتها بما يضمن حقوق العمال وتحميها، وتُحَجِّم تحكم رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات والشركات في العمال لإعطائهم قوة تفاوضية أكبر للتعاقد المنصف.