رجاء العتيبي
يمكن أن نقول إنّ مسرحية (حبل غسيل) مسرحية ملهمة بكل المقاييس، وهي كذلك لعدة اعتبارات: الأول - إنها مسرحية جاءت كإنتاج (مستقل) لا تتبع لأي جهة حكومية، سوى أنها احتكمت لأنظمة وزارة الثقافة والإعلام كجهة مشرفة على الأعمال المحلية، ما يجعلها تمثل أفضل تجربة في هذا الجانب، مثبتة نجاح الإنتاج المستقل المعتمد على رأس المال وليس على الدعم الحكومي الحولي، وبالشكل الذي يتوافق مع توجه الدولة في مجال التخصيص ودعم القطاع الخاص.
تحدثتُ في مناسبات سابقة عن فك ارتباط الفنون عن الجهات الحكومية على اعتبار أن الفنون (وُلدت لتكون مستقلة)، وهذا أدعى لتميزها وتطورها كحال الأغنية التي لا تتبع لأي إدارة في أي جهة حكومية، وأجدني أرى في مسرحية (حبل غسيل) مثالاً حياً لهذه الفكرة وثقها احتفال فريق العمل الخميس الماضي بالدمام بمناسبة العرض 50 للمسرحية، وجني أرباحاً مشجعة تثبت عكس قناعاتنا السابقة أنّ المسرح ليس له عائد مجز، ولكنه مع مسرحية حبل غسيل بخلاف ذلك.
الاعتبار الثاني الذي يمكن أن نصف فيه المسرحية بالملهمة، هو تحطيم الرقم القياسي في عدد العروض الذي وصل مع حبل غسيل إلى 50 عرضاً موثقاً بمختلف مناطق المملكة، متجهاً بعد رمضان الحالي إلى العرض 100 , وهذا ما لم يتأتَ لأي مسرحية محلية وخليجية، حيث كثير من المسرحيات تستغرق أشهر للبروفات، فيما العرض لا يتجاوز الاثنين أو الثلاثة أو أكثر من ذلك بقليل.
الاعتبار الثالث لوصف المسرحية بالملهمة أنها اعتمدت على مسرح Playback أو ما يعرف بالمسرح الارتجالي على غرار مسرح (جوناثان فوكس)، كتحول مثير في المسرح الجماهيري الذي يعتمد على فكرة أو قصة يقولها أحد الحضور، ثم يقوم فريق المسرحية بإعادة تمثيلها على خشبة المسرح -ارتجالاً- دون تخطيط مسبق ولكن بالاعتماد على مواهب الممثلين.
حبل غسيل بتبنيها هذا النوع من المسرح وبتميز الممثلين وحضورهم الذهني العالي ومهارتهم في الارتجال، سلكت به مسلكاً جديداً يعطي له أهمية جماهيرية أكبر وبات المسرح معهم أكثر قرباً من الإنسان لهذا لا نستغرب العدد الكبير الذي يحضر المسرحية أينما حلت وارتحلت.
قناة ( س ) الشركة المنتجة للمسرحية نجحت في إدارة وتسويق المسرحية بقيادة الفنان - عبد المجيد الكناني كنقطة ملهمة رابعة، على اعتبار أن الجهة الحكومية أياً كانت لا يمكن أن تصل بمسرحياتها الانتشار المطلوب، لأنّ إنتاج المسرحية وعرضها يتم على أساس أنه نشاط مجدول بميزانية محدودة وينتهي بها الأمر بكتابة تقرير للمسؤول أنّ المسرحية (نفذت), كيف نفذت؟ هذا ليس موضع سؤال لدى الجهة الحكومية، ولكنه سؤال مهم لدى القطاع الخاص وهنا الفرق، لهذا يتأكد ضرورة فك ارتباط الفنون من الجهات الحكومية وربطه بالقطاع الخاص، فيما تكون وزارة الثقافة والإعلام جهة تشريعية وإشرافية وقانونية.