ناصر الصِرامي
عندما تنفق ثروة بلد في مقامرة سياسية، وتذهب مئات المليارات من الريالات لتحقيق حلم هش وطموح يفوق قدراتك بكثير..!
وحين تكون الوعود بحجم السماء أن يصبح «الشعب» مهما كان عدده محدودًا، وقدرها مساحة جغرافية صغيرة منزوية عن العالم، وأنه سيصول ويجول في العالم العربي والإسلامي، وربما العالم بحصانة مطلقة من النفوذ والقوة السياسية المُحتملة والمتخيلة لدولة «قد» تصبح عظمى!.
وعندما توظف الآلاف من خارج مواطني دولتك لتخلق مستوطنات إعلامية لكل مناطق العالم العربي، ثم يأخذك جنون العظمة أيضًا إلى الإعلام الدولي، وتصرف مليارات لشراء قناة متواضعة - مثل - قناة كارنت بـ500 مليون دولار 100 مليون لمالكه ال جور جور، ثم تغلقه في بضع سنوات.
وعندما تبالغ في قنوات جزيرتك وتقدم نسخة إنجليزية تجاوز إنفاقها جزيرتك العربية، المبالغ في تكاليفها أصلاً، ثم تؤسس قنوات أخرى في لندن ومواقع بلا معني، وتضيف إلى ذلك إقحام الرياضة في السياسة لتسيطر على العقول والجماهير كما تتصور وتشتري كل الحقوق الرياضية بأضعاف أسعارها السوقية، فلا شك أننا نتحدث عن المئات من مليارات الدولارات التي ذهبت هباءً منثورًا.
ثم عندما ترسل مليارات أخرى نقدًا، وتوزع حقائب الأموال على الثوار والثائرين المحتملين والمتوقعين نقدًا، وحين تعزز ميزانيات صحف وتشتري أخرى، وتجعلها تستكب الآلاف من الكتاب والمحللين بأضعاف أضعاف ما هو متعارف عليه مهنيًا، للدعم وتحييد أو شراء الذمم!
عندما تفعل ذلك كله من إسراف وتبذير وقلة تدبير، من أجل حلم أو فكرة هشة، بل شيطانية أيضًا، وضد مصالحك الإقليمية الأصيلة والثابتة، وحين تدفع وتستضيف الثائرين والإرهابيين والداعيين للفوضي والمحرضين على مجتمعاتهم في فنادق الخمسة نجوم وتدفع الفواتير كاملة، تحت شعارات فاجرة. ثم تكتشف فجأة أن كل ذلك ذهب هباءً منثورًا..!
وأن الخسائر الاقتصادية والسياسية والإعلامية الآن أكبر من أن تعد وتحصى... فماذا يمكن أن تفعل؟!
ماذا يمكن أن تقول لشعبك الذي أوهمته وبددت ملياراته على أضغاث أحلام شيطانية؟
وماذا يمكنك أن تفعله بهذه الجيوش والمستوطنات الإعلامية التي أوجدتها من العدم، ماذا يمكن أن تفعل بهذا الوحش، بل الوحوش التي تضخمت الآن بفضل إسرافك..؟
الأكيد، أنها لن تتركك، وستعيد صناعة وهم أو حلم آخر يرضي الغرور السياسي، ولن تقول لك أبدًا هذه الجاليات المستفيدة من تنظيمات وإعلام ومستشارين وسياسيين، -لا يشكل فهم الشعب القطرى ولا 5 في المائة بكل نسب التفاؤل الممكنة-، لن يقولوا لك الحقيقة بأن شعبك خسر جزءًا لا يستهان به من ثروته في مقامرة فاشلة.
«الخيارات صعبة جدًا، والاعتراف بالخطأ يعنى انتحارًا سياسيًا داخليًا وخارجيًا.. والفرصة ما زالت قائمة»، سيقولون لك، الآن علينا أن نتصور الوضع بهذا الوضوح في «الدوحة» ومع القيادة القطرية هناك، التي أصبحت بين خيارات متشابكة، إما أن تخبر شعبها بحجم الخسائر وتتخلص من الوهم وتتحمل ردات الفعل المتوقعة، وتبدأ التصحيح؟، أو تبقى الوهم حيّا..
وهذا ببساطة ما اختارته القيادة السياسية الحالية في الدوحة، ضد عروبتها وقوميتها وحتى مذهب شعبها، وأبسط مبادئ الجوار والأعراف، لهذا «قد» نفهم سبب إكمال المراهنات الخاسرة مع أحزاب تحرض على الإرهاب وضد الاستقرار... ثم الاتجاه إلى حضن طهران، الذي سيكلف أكثر من كل المقامرة السابقة، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
الشعب القطرى رشيد وعربي حكيم.. ومن الصعب بيع الوهم مرتين، مهما حاولت هذه «المستوطنات الإعلامية»، فهي لم ولن تقدم للأشقاء والأحبة والإخوة القطريين شيئًا، همها أن تبيع الوهم مجددًا لتحقيق المزيد من الأرباح وحصد الأموال لصالحها فهي المستفيدة لا سواها، وعلى حساب الشعب القطري الخليجي الشقيق دائمًا.