قبل الدخول في صلب الموضوع أتقدم بالتبريكات والتهاني لسعادة المهندس عجب بن عبد الله القحطاني أمين منطقة الجوف بمناسبة التمديد له أميناً للمنطقة استثنائياً، وهو يستحق ذلك - ولا شك - لقاء ما يقوم به من جهود جبارة للرقي بالمنطقة، فشكر الله له حسن صنيعه ووفقه لما فيه خدمة المنطقة في ظل توجيهات سمو أمير المنطقة الأمير فهد بن بدر بن عبد العزيز - حفظه الله.
طالعتنا الصحف المحلية قبل أيام بخبر مفاده تعاون بلدية محافظة شقراء ومجلسها البلدي لافتتاح سوق الأنعام والماشية في المحافظة والذين يستحقون الشكر والتقدير، فمن يعمل من أجل أمته وملكه ووطنه ومواطنيه يجب أن يُشكر أياً كان موقعه - رغم أنني لست من أهلها ولم أزرها يوماً في حياتي وإن كنت أتشرف بها وبأهلها وبزيارتها - وقد كان بحق سوقاً منظماً دون عشوائية في الممرات المؤدية إلى مداخل السوق ومخارجه، حيث تم تهيئة عشرة مسارات للبيع في كل مسار طريقان أحدهما لركن السيارة والآخر للدخول والخروج، وقامت بترقيم المسارات بلوحات كبيرة، وخصصت المسارين التاسع والعاشر لبيع الإبل والبقية لبيع الأغنام، كما قامت بوضع مواقف جانبية لمرتادي السوق بعد السفلتة والإنارة، طبعاً وهو أمرٌ من شأنه أن يجعل حركة بائعي السوق ومرتاديه أكثر انسيابية ومرونة، في منظر يجعل مرتادي السوق وأصحاب الماشية يشعرون بالتنظيم ويبيعون ويشترون بل ويلتقون دون ازدحام يعكر عليهم صفو البيع والشراء، وعندها فقط تذكرت حال سوق الماشية والأنعام بمدينة سكاكا العاصمة الإدارية لمنطقة الجوف والذي لا يسر صديقاً ولا يضر عدواً رغم أنها أكبر من محافظة شقراء ولكنها همم الرجال في الأمانة وفي المجلس البلدي بشقراء والذين أرفع لهم «العقال» احتراماً وتقديراً وإجلالاً وأقف هنا لأشحذ همم أمانة منطقة الجوف ومجلسنا البلدي الذي انتخبناه بكامل أهليتنا طائعين مختارين ومع ذلك لم نجنِ من وراء انتخابنا لهم ما يفيد المنطقة ولا أهلها ولا زائريها حتى تاريخ إعداد هذا المقال. ولعلي هنا أتطرق لأبرز الملاحظات التي يعاني منها السوق وأعرضها عليهم لعل الله أن يسخر لنا من يلتفت إليها بعين المواطن وابن البلد المحب:
أولاً: جميع الطرق المؤدية إلى السوق ومداخله تعيدك للثمانينيات الهجرية، فهي ترابية وغير معبدة ولا مستوية باستثناء الطريق الرئيس لمدخل السوق، ورغم ذلك فلو كان ترابياً على حال الستينيات لكان أفضل حالاً من وضعه الحالي منذ سنوات طوال، إذ إنه اتجاه واحد وكأنه قد خُصص لاصطياد السيارات بحفرياته القابعة في منتصفه وعلى جنباته. ولكي لا أهضم حق الأمانة وجهودها فمن العدل أن أذكر أنها قبل أيام قليلة بدأت بجمع الإسفلت الذي يتم كشطه من الطرق الرئيسة لردم بعض الممرات، وقامت بنثره فوق تلك المداخل الترابية في محاولة يائسة بل وبائسة لإخفاء العيب في تلك الممرات، لكنه هيهات هيهات لما يفعلون فلن يصلح العطار ما أفسده الدهر.
ثانياً: المساحة المخصصة للبيع والشراء والحراج لا تتجاوز 200 م2 وله مدخل وحيد لا يستطيع أصحاب السيارات الصغيرة الدخول إليه إلا «بالتعب وشق الأنفس» بعد أن تم إحاطته بخرسانة ارتفاعها 40 سم تقريباً عن سطح الأرض، فلا تستطيع السيارات اقتحامه ولا الدخول إليه وكأنهم يراهنون على دخولها، ولا أدري حقيقةً ما الحكمة منها ولا الفائدة من ورائها؟؟ لكنني أترك الإجابة لأهل الاختصاص من المسؤولين في أمانة الجوف ومجلسها البلدي ربما كان بها لمسة هندسية تخفي علينا ولا نعلم سرها على الأقل ربما تستفيد منها بقية المناطق والمحافظات مع حفظ حق الابتكار وبراءة الاختراع لأمانة الجوف.
ثالثاً: مواعيد الحراج فترة واحدة فقط تبدأ من التاسعة صباحاً وحتى صلاة الظهر على الرغم من أن الأمانة قد وضعت لوحةً في منتصف السوق تؤكد بأن السوق والحراج على فترتين صباحية ومسائية، لكن سيطرة تجار الماشية «الشريطية» وغياب الرقابة من الأمانة تبدو واضحة في هذا الجانب، حيث إنه لا يعقل أن يكون الحراج فترةً واحدة خاصة في ظل وجود أعداد كبيرة من مربي الماشية من الموظفين الذين يرغبون ببيع ماشيتهم فلا هم الذين يستطيعون ترك دواماتهم الحكومية ولا هم الذين أدركوا البيع والشراء والمستفيد الأول هم الشريطية الذين يشترون صباحاً بثمن بخس دراهم معدودة ليتفرغوا عصراً لاستغلال المواطنين بزيادة الأسعار، وكل ذلك يحدث بمباركة الأمانة وغياب مراقبيها.
رابعاً: أسهم غياب الرقابة البلدية ووجود مدخل وحيد للحراج بانتشار ظاهرة «تلقي الركبان» خاصة من صغار السن الذين لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات فيطاردون السيارات ويتمسكون بها وربما قامت بسحبهم عشرات الأمتار ليقوموا بالدلالة على ما تم جلبه للسوق، وربما سقط أحدهم ومات فحدثت الكارثة، كما أن ظاهرة «تلقي الركبان» محرَّمة شرعاً ومجرَّمة قانوناً ومع ذلك لم تتدخل الأمانة ولو بلوحات إرشادية من خلال تخصيص مكتب رسمي لمراقبين تكون مهمتهم مراقبة فترتي الحراج ومنع التجاوزات وكذلك لضبط عمليات البيع والشراء التي تتم داخل الحراج ومنع صغار السن من هذه التصرفات التي قد تودي بحياتهم.
خامساً: المسلخ وما أدراك ما المسلخ! تموت ذبيحتك قبل وصولها إليه ليس بسكين جزارها ولا شفرته بل من كثرة الحفريات التي تمر عليها حتى تموت ميتة المتردية والنطيحة وبعد أن تصل إلى ذلك المسلخ - الوحيد في المنطقة - تموت أنت قبل موت ذبيحتك بسبب سوء التنظيم وانعدام النظافة وازدحام الناس وربما تجلس بالساعات بانتظار ذبيحتك وما يقتلك حقاً هو افتقادك لبعض اللحوم عند وصولك لبيتك إلا «ما دمت عليهم قائماً» فأين الرقابة؟
سادساً: لا أعرف كيف تم توزيع الحظائر على المواطنين في سوق الماشية؟ هل تم ذلك عن طريق المزايدات أم عن طريق العلاقات؟ يجب أن يؤخذ هذا بعين الاعتبار خصوصاً أن بعض المواقع وصل سعره للتقبيل بمبلغ يتجاوز أربعين ألف ريال، فهل يعقل هذا؟ وهل يعقل أن مواطناً يستأجر حظيرة بمبلغ لا يتجاوز أربعة آلاف ريال بالسنة ثم يقوم بشطره نصفين ليقوم بتأجيره بمبلغ يتجاوز عشرين ألف ريال لكل جزء منهما على «مقيمين وافدين» بينما يجلس هو في بيته وله إيراد شهري ثابت ومن يسعون ويبتغون الرزق والكسب الحلال من «المواطنين» يُضيَّق عليهم من هذا المواطن الجشع ومن ذلك المقيم الوافد! وهل يعلم المسؤولون أن أغلب الحظائر الأمامية والتي تعتبر أفضل المواقع في السوق من حيث سرعة البيع والشراء يستأجرها وافدون؟
سابعاً: لماذا لا تقوم الأمانة بمخاطبة الجوازات والشرطة ومكتب العمل ووزارة التجارة للتعاون معها للقيام بجولات رقابية دورية واستثنائية لمحاصرة العمالة التي تعمل في البيع والشراء لحسابها الخاص بالمواشي والأعلاف؟ وهل يعلم المسؤولون في الأمانة ومجلسها البلدي أن سوق الأعلاف لا يوجد به مواطن واحد بسبب مضايقته من العمالة الوافدة؟ وهل يعلم المسؤولون أن نسبة التوطين في سوق الأعلاف لم تتجاوز الصفر بعد؟ بالمناسبة أعرف من اشترى سيارة ديانا بالأقساط ليرتزق من بيع الأعلاف فضايقته العاملة الوافدة وخرج من السوق بسبب مضايقات تلك العمالة الوافدة له فعرضها للتنازل دون مقابل فلم يجد من يرغب بها سوى العمالة الوافدة، فأين حقه في وطنه؟
ثامناً: يجب طرح مناقصة أو مزايدة لمكاتب الدلالة المرخص لها باستلام الدلالة بحد أدنى أربع مكاتب للمنافسة مع اشتراط توظيف سعوديين يتولون الدلالة برواتب لا تقل عن خمسة آلاف ريال واستخدام برامج محاسبية لمعرفة البيع والشراء ويكون استلام المبالغ لدى الدلالين بأوراق رسمية وتسجيل بيانات البائع والشاري للحد من ظاهرة السرقة والتستر التجاري وغسل الأموال، ويكون استلام المبالغ النقدية قدر المستطاع عن طريق نقاط بيع لدى الدلال، وألا يعطى الحق لغير المصرح لهم بالدلالة تنظيماً للسوق وللحراج وللمزادات، حيث سيكون المزاد أكثر شفافية ووضوحاً، أما أن يقوم كل من شاء بالدلالة وقتما شاء وكيفما شاء وينقسم السوق فهذا خطأ يجب معالجته فوراً عن طريق مخاطبة الجهات الرسمية لإيقاف المتجاوز عند حده.
وهذه هي الكارثة التي ستكون قاصمة لأهالي المنطقة أنه سيتم نقل الموقع الحالي خلال سنتين، وهذا أمر طيب ونرحب به - بشرط ألا يكون الموقع الجديد نسخة من الموقع الحالي - لكن المشكلة أنه وبحسب ما وصلنا من أخبار فإن الموقع المقترح هو طريق خوعاء، ولست أدري من الذي اقترح هذا الاقتراح التعيس وما فكرته!؟ وما نظرته!؟ فطريق خوعاء اتجاه واحد ويبعد عن سكاكا 40 كم تقريباً على الطريق الزراعي ولم تنشف دماء أبناء المنطقة ولم تجف على هذا الطريق طيلة السنوات الماضية ثم تأتي الأمانة لتزيد عدد ضحايانا من السيارات والتجار الجشعة، وإن كانت الأمانة فاعلة ولابد فهناك أماكن كثيرة على طريق الأمير عبد الإله الأقليمي جنوب ميدان الفروسية أو جنوب الصناعية الجديدة أو أي مكان تراه الأمانة والمجلس البلدي بعيداً عن المصالح الشخصية ليكون قريباً للجميع، فمن يرغب الشراء والبيع لن يذهب مسافة أربعين كيلو متراً يومياً وفي منطقة أشبه ما تكون بالمعزولة.
كل ما ذُكر أعلاه هو مرئيات شخصية شاهدتها بعيني وتناقشت مع بعض مرتادي السوق بخصوصها، وكانت أغلب وجهات النظر متوافقة معي وحملوني أمانة مخاطبة الأمانة ونقل الصورة كاملة، وهم يتطلعون للتدخل ومعالجة الوضع، ونحن هنا نناشد أمين المنطقة ومجلسها البلدي بمتابعة ما ذُكر أعلاه للمصلحة العامة.
عارف بن حامد العضيب - كاتب صحفي - الجوف