من هنا ومن قلب العالم الإسلامي ومن مركز ثقله الإقليمي، من الرياض العاصمة الأهم والأكثر تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط وتحت قيادة وريادة وضيافة ملكها المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- العازم على التغيير والحازم على مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره انطلقت أولى بوادر صناعة السلام العالمي في هذه الزيارة التي أجمع العالم كله بوصفها بالتاريخية، وبأنها تمثل أكبر نقطة تحول في تاريخ علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها في العالمين العربي والإسلامي، قادة العالم العربي والإسلامي كانوا هنا أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية يمثلون أكثر من المليار ونصف المليار مسلم من أقاصي آسيا الوسطى إلى أدنى أفريقيا جاؤوا ليعبروا عن جديتهم في تعزيز شراكة حقيقية مع الولايات المتحدة الأمريكية بما يخدم مصالحهم المشتركة ويسهم في تحقيق الأمن والسلام والتنمية لشعوبهم وللاتفاق على تحقيق الخير للبشرية كلها وأعمار الأرض بالأمن والاستقرار ومحاربة الشر والإرهاب، لأنّ الذي تحقق لا يمكن وصفه إلا بأنه أكبر إنجاز تاريخي تحققه المملكة العربية السعودية ويمثل اختراقاً كبيراً ونجاحاً يضيف لرصيدها الدبلوماسي والسياسي الكثير في علاقتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك، فإن اختيار الرئيس الأمريكي الرياض لتكون أولى محطاته الخارجية يعكس رسالة مهمة وهي أن السلام يبدأ من أرض السلام والإسلام، والأمن ينبع من أرض الأمان، وخير البشرية يبدأ من هنا.
تلك الزيارة التاريخية أكدت أن العالم بدأ يعود إلى قواعد السلام التي تم الاتفاق عليها، وأنه يمكن للقوى الدولية المؤثرة أن تكون صانعا مثاليا للسلام، لذلك بدأت من السعودية رسالة عالمية عريضة تجمع القوى العظمى من أجل تحقيق أهداف استراتيجية مشتركة واستغلال نفوذها الإسلامي والعربي لتحقيق اختراقات مهمة في جدار الخراب الذي أنشأته قوى الشر والظلامية في المنطقة والعالم الذي يشهد موجة تاريخية من الإرهاب الذي تحركه القوى التي لا تؤمن بالأمن والسلام وقواعدهما من أجل بني الإنسان.
اقتنع الرئيس ترامب بالدور السعودي المؤثر في مكافحة الإرهاب والتطرف والطائفية والسعي الصادق والمخلص من أجل السلام والتسامح، فكان موقفه القوي والحازم بوضع اليد مع القيادة السعودية لمواجهة قوى الشر والتخريب، ويبدأ ذلك بوضع الصانع الأبرز للإرهاب العالمي في الزاوية الضيقة وهي إيران التي تنشر الإرهاب في دول المنطقة وامتد ذلك حتى أقصى أمريكا الجنوبية تحت ذريعة أحلام وأوهام توسعية وطموحات غير مشروعة جعلها بؤرة ومركزاً دوليا للصراعات ما يتطلب مواجهتها بدءا بعزلها وكشفها أمام العالم والتعريف بنياتها الخبيثة ومكرها بجيرانها وتدخلاتها السافرة التي لا تتفق مع القوانين والأعراف الدولية في شؤون غيرها.
كانت الزيارة ناجحة بكل المعايير سواء في إطارها الثنائي أو الخليجي أو الإسلامي، وحققت مكاسب قياسية سيكون لها ما بعدها في توجيه البوصلة نحو السلام والتعايش السلمي في المنطقة أو العالم، فما تم في الإطار الثنائي يتناسب مع طبيعة العلاقات التاريخية بين البلدين التي ارتكزت على مفهوم الشراكة العميقة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، فهناك اتفاقيات أبرمتها الحكومتان والشركات ستحقق وفرة في الوظائف للشباب السعودي تصل إلى 75 ألف وظيفة إضافة إلى الارتقاء بالتصنيع العسكري الذي يضيف استثمارات نوعية ومتطورة تسهم في توطين صناعة السلاح والمضي بها بعيدا بعقول وسواعد أبناء الوطن في المستقبل القريب.
الاتفاقيات الضخمة تشمل الطاقة والنفط والقطاعات الصناعية، حيث تم توقيع رزمة مذكرات تفاهم ومشاريع مهمة مع العديد من الشركات الأمريكية الكبيرة التي تؤدي بموجبها دورا محوريا في تطبيق رؤية 2030 والتحول الوطني بنقل التقنيات وتوطينها وذلك مكسب مهم يتناسب مع طموحاتنا الوطنية في تطوير الاستثمارات والصناعات في سياق تنويع مصادر الدخل وتعظيم الصناعة في مختلف المجالات خاصة وإننا نتجه إلى بناء اقتصاد معرفي على أسس وقواعد علمية، ووجود مثل هذه الشركات بخبراتها العريقة يساعد في تأهيل الشباب وتطوير قدراتهم لقيادة العمليات الإنتاجية في بلادنا.
مكاسب الزيارة التاريخية غير مسبوقة وقد نجحت أرامكو أيضا في توقيع 16 اتفاقية مع 11 شركة أمريكية لدعم فرص النمو التجاري المشترك والقيمة المضافة تقدر بـ50 مليار دولار وتوفير فرص عمل كثيرة، وذلك يصب في صالح المستقبل والنمو الاقتصادي الذي يعزز البنية التحتية للصناعات النفطية ومشتقاتها، وكل ذلك يأتي تحت اتفاقية الرؤية الاستراتيجية المشتركة التي تشمل دعم التعاون بين الدولتين في مجالات التجارة والاستثمار والتعليم ومجالات أخرى مختلفة، بما ينتقل بعلاقات الشريكين إلى مدى أبعد يوحد أهدافهما ويضيف قيما نوعية كبيرة في المصالح المشتركة.
قائمة المكاسب التاريخية تشمل إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (اعتدال) الذي يمتلك تفوقا تقنيا غير مسبوق في مجال مكافحة التطرف وأنشطته عبر الإنترنت ووسائل التواصل الإعلامي، حيث تم فيه تطوير برمجيات مبتكرة وعالمية المستوى قادرة على رصد وتحليل وتصنيف أي محتوى متطرف وبدرجة غير مسبوقة من الدقة، وتلك التقنية العالية المستوى بجميع اللغات واللهجات الشائع استخدامها في أطروحات هذا الفكر ولا يتوقف العمل عند ذلك وإنما يجري العمل على تطوير نظم ذكاء اصطناعية متقدمة لتحديد المواقع الجغرافية التي تحتضن بؤر وحواضن الفكر المتطرف كما أن المركز يعتمد في مواجهة الفكر المتطرف على صناعة إعلام ومحتوى محترف ينشر التسامح والاعتدال وذلك تحت إشراف لجنة الفكر العليا التي تتضمن نخبة من كبار المفكرين والعلماء المسلمين من جميع أنحاء العالم والقادرين على مواجهة هذا الفكر.
بهذه الحصيلة فإن المنطقة والعالم في وضع متقدم جدا لمواجهة تحديات التخريب والإرهاب والتطرف وتلك القوى الشريرة التي تبذل جهودا بائسة لنشر التطرف والإرهاب، ولم يعد بإمكانها فعل الكثير بعد هذه الزيارة ولم يعد أمامها من خيارات سوى التسليم والتوقف عن تعاطي الشر أو مواجهة العالم الذي لن يتوقف عن ضربها مع كل حركة سواء كان ذلك سياسيا أو أمنيا أو عسكريا واقتصاديا، لأنه تم كشفها ولم تعد مناسبة في مسيرة الخير الإنساني وشاذة عن الطبيعة البشرية المحبة للسلام وبإمكانها التعايش دون إضرار بالآخرين.
وعلى صعيدنا الوطني فإن بلادنا كسبت الكثير بتعزيز العلاقات مع الشريك الأمريكي ووضع رؤية 2030 في الطريق الممهد لجني المكاسب سواء من خلال تطوير الموارد الطبيعية ونمو الاستثمارات والتوسع بها أو الموارد البشرية التي تجد الوظائف والخبرات والتدريب والتأهيل الذي يجعلها أكثر استعدادا للمستقبل ومواجهة تحدياته في التنمية، فتلك التنمية تأتي مع الأمن والسلام وهي علاقات متزامنة ومترابطة والعالم بأسره بحاجة إليها وليس لدول تخصص كل جهدها لمحاربة غيرها والكيد له دون التزام بآداب دين أو إنسانية، ما يتطلب كبحها وإيقافها وكف أذاها رهبة أو رغبة، وذلك ما سيتحقق قريبا بإذن الله لأن اتجاه البوصلة تغير والمعادلة تبدلت والأحوال لم تعد كالسابق، فهي مواجهة مع العالم كله وقواه المحبة للخير والسلام.