كتب - د. محمد الصالح العبدالله العريني:
أهداني الاستاذ علي بن عبدالله السعيدان كتاب (سعيدان بن مساعد، مطوّع نفي، حياته وشعره)، والأخ علي هو أحد أحفاد هذا الشاعر العلم يرحمه الله، والكتاب جميل في شكله عميق في محتواه بذل فيه معده الأستاذ الباحث سعود بن فهد المسردي جهوداً طيبه في البحث والتقصي واللقاءات والإطلاع على الوثائق ويشكر على ذلك حيث أظهر هذا الكتاب للباحث والقارئ والمتلقي بهذا الشكل المميز، جزاه الله خيراً.
ولد الشاعر سعد بن ناصر بن مساعد آل مساعد في المذنب بالقصيم وهو من أسرة كريمة نبيلة ومعروفة بمكارم الأخلاق في المذنب وعنيزة وانتشروا بعدها في نفي والدوادمي وغيرها، وكانت ولادته عام 1251هـ، وتلقى تعليمه في هذه المدينة على علمائها في ذلك الوقت وعلى رأسهم الشيخ عبدالله بن دخيل العالم المعروف والمشهور في حينه حتى تأهل لأن يكون معلماً و إماماً ثم نزح إلى بلدة نفي غرب المذنب طلباً للرزق، وتم تعيينه إماماً لمسجدها لمدة طويلة، حيث كان يعلم الأطفال القراءة والكتابة ومبادئ الدين، وكان يقرأ على الناس من الكتب الدينية بعد الصلوات.
وبلدة نفي كان يسكنها الحاضرة والبادية في تمازج حضاري جميل، وكان المكلف بإمارتها هو الشاعر الكبير عبدالله بن سبيل والذي كانت بينه وبين شاعرنا مساجلات ونقائض وإخوانيات في منتهى الجمال والإبداع.
ولقد عاصر شاعرنا شعراء كبار أمثال شاعر نجد الكبير محمد العبدالله القاضي و ابنه ابراهيم، و عبدالله بن سبيل، وسليمان الطويل، سليمان بن شريم، فهيد المجماج، وحجرف الذويبي وغيرهم رحمهم الله جميعاً، وهذا مما جعل شعره مميزاً وراقياً.وكان يرحمه الله سخياً بشوشاً يستقبل ضيوفه بترحاب بالغ حتى صار بيته مضافة، وقال في ذلك:
قوموا عطوني رأيكم يالرجاجيل
والشور ما يقصر عن الغانميني
ترى وعدكم يالنشامى المعاميل
واللي صديق لي لزوم يجيني
عندي لكم فنجال ومبهرٍ هيل
وسوالف تبرد فواد الحزيني
واشتهر مطوع نفى بشعره الجميل والذي سار بذكره الركبان، ومن خلال شعره تغنى بـ (نجره) وهو الهاون الذي تطحن فيه القهوة، وكان يدق (النجر) بتناغم جميل يسمعه من في الخارج فيدخل إلى المضافة، وحتى ضرب فيه المثل فيقال (اغلى من نجر المطوع).
ولشهرة هذا النجر كان علية القوم وغيرهم يتسابقون لمحاولة شراءه ولكنه يرفض، وذكر هذا في كثير من قصائده ومنها:
الله لايتكل على الأسباب
إن كان انا بعت النجر بعت البيت
ويقول ايضاً في قصيدة اخرى:
نجر المطوع يوم سامه دغيليب
هو يحسب إني جالبه للمبيعة
وأما شعر مطوع نفي فقد كان قوي السبك جزل العبارة رقيق المعاني سهلاً وسلساً يسهل حفظه، وزاد من شهرته كما يقول الباحث المسردي هو جمعه للنقيضين (الإمامة والشعر)، وأكثر شعره مقطوعات ومعارضات واخوانيات مع تميزه في الغزل والمداعبات , ويقول الباحث المسردي إن الشاعر مُصنف من شعراء المدرسة الوجدانية التي تبلورت معالمها في شعر الشاعر عبدالله بن سبيل.
نماذج من شعره:
يقول في إحدى أشهر قصائده:
لا واصحيبي راح يم الشلاوى
يِمة حضن يم الديار العلوّة
ياحسين جرحك عقبنا هو تشاوى
ترى الولد به شارةٍ من بدوّه
يجزم على طاريه مابه مراوى
إلى إنثنى خطو الكذوب المشوّه
يا حسين داويتك وأنا با تداوى
ولا لي على ناب الردايف جروّة
وإلى شكيت الحال يا حسين ماوى
قلبه متين ولا يعرف المروّة
وقال رداً على حجرف الذويبي :
اللي يسبون الائمة شياطين
من التسعة اللي خربوا بالمدينة
وشيوخنا اللي يظلمون المساكين
هذا خذوا ماله وذا ذابحينه
وقال في قصيدةٍ أخرى :
ما جا خبر من يِمّة الشوق وعلوم
بالعون نفسي تو ما جا عناها
لولا عصاي اللي معي كان ما أقوم
وحالي رقيقة ما تفاخت عصاها
يا طير ياللي بالهوا يدرج الحوم
لِيا وقع بالنايفه من حجاها ,,
واخيراً كان له يرحمه الله مكانة مميزة ورفيعة عند الشعراء الكبار في نجد، وكذلك له مقام وقدر كبير في بلدته ومحيطه الإجتماعي.
ويعتبر شاعرنا من المعمرين حيث توفي وعمره حوالي 105 سنوات , وبعد ان انهكه المرض فأنتقل إلى عناية ابنه الوحيد محمد في المذنب حتى توفي يرحمه الله عام 1356هـ. والكتاب صادر عن دار جداول بالحجم الوسط وعدد صفحاته 132 صفحة ويحتوي على العديد من الوثائق والصور موثقاً فيه مصادر البحث.
وختاماً أكرر شكري للأستاذ علي بن عبدالله السعيدان لإهدائه الكريم وللباحث الأستاذ مسعود بن فهد المسردي على هذا الإنجاز الجميل والإضافة الأدبية الرائعة للتراث والموروث.