يوسف المحيميد
لا شك أن أكثرنا عدم روية ونزقًا لا يتمنى أن تكون تصريحات أمير قطر حقيقية، ويتمنى من أعماقه أنها ملفقة، ومن فعل فاعل، فكيف بالحكماء من الطرفين الذين يبحثون دائمًا عن وحدة الخليج وأمنه وسلامة أراضيه؟ ليس من باب توحيد المواقف فحسب، وإنما من فهم الواقع الذي نعيشه ونعاني منه، فما هي الدولة التي تدخلت في الدول العربية، واحدة تلو أخرى، وما هي الدولة التي عبثت بالعراق وعاثت في وحدته، وما هي الدولة التي تقود الحرب علنًا مع النظام السوري ضد شعبه الذي قتلت وشردت نصفه؟ وما هي الدولة التي طعنت بخنجرها خاصرة العرب في شبه جزيرتهم؟ وما هي الدولة التي كلما حاول لبنان أن ينهض من الرماد نسفت أحلامه وطموحاته؟ وما هي الدولة التي تتبجح بسقوط العاصمة العربية الرابعة، حينما احتلت ميليشيات الحوثي عاصمة اليمن السعيد؟ وما هي الدولة التي تتبجح بملفها النووي، وتهدد في كل صغيرة وكبيرة؟ وما هي الدولة التي تؤذي سلامة الحجاج وتربك بحرسها الجمهوري مناسك الحج؟
هذه الدولة هي ما يجب الحذر منه، فهي تقدم للعرب دروسها المجانية، وتخبرهم علناً بأطماعها السياسية، هذه الدولة التي لم يعد ثمة فرصة للسلام معها، أو فتح أبواب الحوار معها، هذه الدولة التي تحلم بإعادة إمبراطورية فارس، هي التي تؤذي العرب في عواصمهم، وفِي استقرارهم، وتتدخل في شؤونهم الداخلية.
فلا يمكن أن يقبل العقل مثل هذه التصريحات من دولة عربية شقيقة يربطها مع جيرانها الدين والدم والقبائل، أو أن تبدي تخوفها من جيرانها العرب، وتمد يديها لدولة محتلة، وحتى لم تعلن قطر عن اختراق حساب وكالتها الرسمية، فكل هذه التصريحات الخارجة عن المألوف، تجعلنا نشكك في صدقها، ونتأمل بدهشة وتمهل فحوى هذه التصريحات، لا أن نغضب ونهاجم ونتهكم، فما صدر من تصريحات غريبة، قد تهدف إلى إثارة الإعلام العربي والغربي وصرف أنظاره عن النجاحات الكبرى التي تحققت في قمة الرياض، بل في القمم الثلاث، التي جمعت المملكة والأشقاء الخليجيين، والعرب والمسلمين مع الولايات المتحدة، ولو كانت هذه البلبلة والإثارة تهدف إلى ذلك، أي الحجب الإعلامي لنجاح هذه القمة، فهي لم ولن تفعل، لأن قمة الرياض حققت نجاحاً كبيراً، سواء في التحالف ضد الإرهاب، أو في الاتفاقيات الموقعة بين المملكة وأمريكا، ومن الطبيعي أن تتصدر هذه الاتفاقيات دخول البلاد في التصنيع العسكري، وليس من العقل تجاهل التدخل الإيراني العلني في الشؤون الداخلية للدول العربية، بل الطبيعي والمتوقع أن تنتقل دول مجلس التعاون من مرحلتها تلك، إلى مرحلة الاتحاد، على كل المستويات، بما فيها الاتحاد العسكري ضد جميع الأطماع الخارجية