«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
بجانب غرفة نومي نخلة باسقة كلما فتحت النافذة شاهدت سعفاتها وهي تتمايل مع الريح، وجذعها يسمو بحمله من العذوق بدءًا من النبات وبعده «الحبمبوه» اليوم لفت نظري حملها بـ»الخلال» الذي يأتي عادة بعد «الحبمبوه» وهو وكما هو معروف لدى أبناء المملكة خصوصًا من يتعامل مع الشجرة المباركة النخلة ويتابع جيدًا مراحل نموها وعذوقها وما تحمله من خير وفير.. والخلال الذي يبدو بلونه الأخضر الزيتوني. كلما شاهدته عدت إلى الماضي عندما كنا نأكله عندما يكون «خلال مخنن» وطعمه المميز رغم وجود نكهة لاذعة فيه؟! ومع هذا كنا سعداء بالحصول عليه من تحت أشجار النخيل في بساتين الأهل.. كنا نتراكض لجمعه ونقوم بغسله في «الثبر» مجرى المياه الترابي. الذي يسميه أهل العلم والمعرفة بالغدير؟! والخلال هناك من يسميه بالبسر ولكن تعودنا على أن البسر يطلق عليه هذا الاسم عندما يصفر لونه ويقسو عكس «الخلال» الذي يميل إلى الليونة والطراوة.. وفي اللغة كما يقال الخلال.. هو البلح.. وكان مشهد أصحاب البسطات من الرجال وحتى النساء الذين يعرضون منتوجاتهم من الورقيات والخضار والفاكهة المحلية عصر رمضان وقبل ساعات من موعد مدفع الإفطار. كانت تعرض «صرر» من ليف النخيل المبللة بالماء وداخلها «الخلال» اللذيذ. وكل صرة تباع بربع ريال ولا تزيد عن النصف الريال في حالة ارتفاع سعرها لدي باعة الورقيات.. ورحم الله جدتي «نورة» كانت تحبني كثيرًا، بل تدللني كما لم يدللني شخص آخر في حياتي. فكانت عندما تعود من بستان ابنها خالي. لا تعود ويدها فاضية كما يقال.. فهي تحرص أن تحمل لبيتنا شيئًا من خير البستان وحسب ما يتوفر أيامها من إنتاج. ومن بين ذلك صرة «الخلال» الذي هو غيض من فيض من منتجات وخير أمنا «النخلة» هذه النخلة منذ كانت وما زالت تعطينا كثيرًا من المنتجات وعلى مدار أيام العام أكانت خلال أو بسر أو رطب وصولاً إلى التمر.. الذي يشكل عماد وجبة إفطار الصائم أو حتى من منتجاتها الأخرى. من سعف أو جريد أو ليف. كل ما فيها بركة وخير.. وما زلت أذكر مدرس العلوم العربي وكان من فلسطين كان يشرح لنا أهمية التمر بدءًا بالخلال ومرورًا بالرطب ووصولاً إلى التمر. كان يصف لنا فوائدها المختلفة بل إنه أشار إلى إمكانية تحويل (الخلال) إلى مخلل لذيذ. ولم نعير كلماته اهتمامًا ولا حتى تقديرًا، بل كنا نكاد نسخر منها.. ومع الأيام وقبل سنوات شاهدت في إحدى القنوات الإماراتية معرضا لمنتجات النخيل وكان من ضمن المعروض. مخلل الخلال والرطب. فتذكرت لحظتها ما سمعته من استاذ العلوم..؟!