إبراهيم عبدالله العمار
"ذا ميتركس The Matrix" من الأفلام الأمريكية القليلة ذات القيمة الفكرية، ورغم أنه فيلم خيال علمي وحركة وانفجارات إلا أن أفكاره الفلسفية أكثر ما بقي من ذِكره ولا زالت تثير النقاش إلى الآن، ولمن لم يشاهد الفيلم فهو يحكي قصة أناس يكتشفون أنهم مستعبدون لدى الذكاء الصناعي والآلات، فمنذ يولد الإنسان تضعه الروبوتات بالغة التطور داخل وعاء وتوصل الوعاء بأسلاك بعضها يحفظ حياته ويزوده بالماء والغذاء والأسلاك الأخرى تبث إشارات للمخ، وهذه الإشارات هي بيت القصيد.
عندما تشرب شيئاً فكيف تعرف أنه كوب قهوة أو ماء؟ عندما تلمس شيئاً كيف تفرق بين رمل خشن ودقيق ناعم؟ كيف تميّز بين رائحة العشب والخيار؟ الجواب: إشارات ترسَل للمخ. المخ يعرف مذاق ورائحة وصوت وملمس ومنظر كل شيء مر عليه، وكل إشارة لها تفسيرها. وهذا أساس هذه الفكرة التي تسبق فيلم ميتركس، وهي تحديث لفكرة الشيطان الشرير التي أتى بها الفيلسوق رينيه ديكارت وفيها يتخيل شيطاناً ذكياً يستطيع خداع الإنسان بصُنعِ عالم وهمي شبيه بالعالم الحقيقي ويشمل ذلك أناساً آخرين ويعيش فيه الإنسان بعقله فقط لكن يظن أنه في عالم حقيقي. وأتت فرضية أحدث وهي "عقل في وعاء" تَبني على حقائق علمية أجدُّ، وهي كون العقل يفسر العالم على أساس الإشارات التي يستقبلها المخ من الأعصاب والخلايا.
قامت سيناريوهات الروايات والأفلام على ذلك، تشترك مع فكرة ميتركس وهي عن عالِم أو شيء شرير يخرج مخ الشخص إلى وعاء حافظ للحياة ويرسل له إشارات توهمه أنه حر طليق، يأكل ويجري ويشم الورد ويلمس طفله، وهذا يطرح السؤال: كيف سيعرف هذا الشخص أنه ليس في العالم الحقيقي؟ أي شيء سيجعله يدرك أنه مجرد مخ موصول بحاسب يحاكي الواقع؟ وتتطور الفكرة عند بعض الفلاسفة لتقول إننا كلنا لسنا نعيش الواقع، وأن وجودنا وهمي وكل ما نراه مجرد إشارات مرسلة للمخ من قبل شيء أو كائن ما! هذه فكرة متطرفة ولا تلقى قبولاً. لكن الفكرة تظل شيقة وتثير التساؤل: كيف يعرف المرء إذا ما كان في عالم حقيقي أو عالم وهمي يكون فيه مجرد مخ تُرسَل له إشارات توهمه أنه في عالم حقيقي؟
أنت.. كيف ستعرف؟