محمد سليمان العنقري
أصدرت الهيئة العامة للإحصاء مؤخراً تقريراً عن مؤشر الرقم القياسي لأسعار العقارات بالمملكة وبلغ الانخفاض 2.3 % مقارنة بين الربع الأول للعام الحالي مقارنة بالربع المماثل من عام 2016م، وقد جاء التأثير بسبب انخفاض القطاع التجاري بنسبة 11.7 %، والقطاع السكني بنسبة 9.5 %، والقطاع الزراعي بنسبة 1.3 %، مما يعزز من قوة تأثير التراجع الحاد بنمو الاقتصاد على القطاع العقاري.
إن السؤال الذي يتبادر مباشرةً هل دخل العقار بتصحيح يعيده لأسعار مناسبة للأسس الاستثمارية وتتماشى مع الحالة الاقتصادية العامة ومع الإصلاحات التي تتم بالصناعة العقارية عموماً، أم أنه يتجه لمرحلة انهيار بالأسعار يتمخض عن ركود عميق وطويل الأمد يصاحبه عزوف عن الاستثمار العقاري؟ إن الجواب على هذا التساؤل يعتمد بشكل أساسي على الخطط الحكومية لإعادة تحفيز النمو بالاقتصاد وكذلك مدى نجاح وزارة الإسكان بإستراتيجيتها لتنظيم وتنشيط سوق المنتجات السكنية التي سيعلن عنها خلال الأشهر القليلة القادمة.
لكن الواقع الحالي للسوق العقارية يشير لاتجاه تصحيحي قد يصل إلى نسبة هبوط بالمتوسط بحوالي 25 % على أقل تقدير وهو عادة ما يتم خصمه من أسعار الأصول ببداية أي تصحيح عندما تتضخم بنسب عالية جدا فمعالي وزير الإسكان قال قبل أيام «إن حال سوق العقار سابقا أنشأ فراغا سعريا، الأمر الذي أسهم في أن تصبح أسعار الوحدات السكنية تتناسب فقط مع 25 في المائة من المواطنين، بينما 75 في المائة من المواطنين ليس لديهم القدرة على شراء سكن، ما أسهم في لجوء المواطنين إلى الإيجار» فلا يمكن بهذه الحالة حل مشكلة تملك السكن وزيادة النشاط بالسوق العقارية إلا بتقديم منتجات منخفضة الأسعار إذ يستحيل زيادة القدرة الشرائية للشريحة الواسعة لطالبي السكن وهم المصنفون بالأقل قدرة مالية من خلال الإقراض المرهق الذي سيتحول لتعثر بالسداد لذلك تقول الوزارة إنها حريصة على أن تكون جل الوحدات المطروحة مستقبلا بأسعار بين 200 إلى 700 ألف ريال.
ومن خلال هذه الأرقام والنسب التي يدعمها أيضا نسب مستويات الدخل بين الأسر السعودية التي يصل من هم دون 11 ألف شهرياً إلى 70 % مما يعني أننا لو أخذنا المعايير العالمية لقياس أسعار المساكن المناسبة لمستويات الدخل والتي تتراوح بين 4 إلى 5 أعوام من مجموع الدخل على أبعد تقدير فإن اغلب المنتجات السكنية بالسوق لا تتناسب مع القوة الشرائية للأسر ولا حتى إمكانية الاقتراض بأرقام كبيرة لتناسب أسعار أغلب المساكن المليونية.
وما يضاف من عوامل وأسباب تدعم الاستمرار بتراجع أسعار العقار الاتجاه المستمر لرفع أسعار الفائدة للعامين الحالي والقادم حيث يتوقع أن تصل إلى 3 % وهو سيرفع من تكلفة التمويل وإذا لم تنخفض أسعار العقارات فإن التكلفة سترتفع أكثر على المقترض، وبذلك ستضعف إمكانية تسويق تلك العقارات المرتفعة السعر قياسا بدخل الشريحة الأوسع من طالبي السكن، ومن العوامل الداعمة للتصحيح هو قيام وزارة الإسكان بتنفيذ خطتها والتي يتوقع بنهايتها بناء حوالي مليون وحدة سكنية عبر عدة برامج وكان ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد ألمح لذلك بآخر مقابلة معه والتصور العام أن يتم تشييدها خلال 3 إلى 5 سنوات بالاعتماد على الأراضي الحكومية، وكذلك برامج الشراكة مع القطاع الخاص والأهم الاعتماد على تقنيات البناء الحديثة التي تخفض مدة البناء لشهور بدلا من سنوات وبتكاليف أقل مما يعني زيادة المعروض بنسب عالية من الوحدات الملائمة حجماً وسعراً وأكثر عدالة قياساً بالدخل وبما تستحقه الأسعار أي أن المعروض الجديد سيتجاوز ما هو قائم حالياً ًويحيله إلى بضاعة راكدة والطلب عليها قليل جداً نظراً لارتفاع سعرها ووجود البديل الأنسب والأرخص والأحدث.
إلا أن احتمال الانزلاق للانهيار بالعقار يبقى وارداً في حال تأخرت خطط تحفيز الاقتصاد لأي سبب كتراجع حاد غير متوقع بأسعار النفط لمستويات متدنية جديدة وعودة السياسات التقشفية مجدداً للتحوط من تراجع الإيرادات النفطية مع تطبيق كل برامج رفع الإيرادات الأخرى للخزينة من ضرائب ورسوم ورفع للدعم عن الطاقة والوقود والمياه بوقت قياسي قصير سيرفع من تكلفة المعيشة ويقلص القوة الشرائية للأفراد مما سيؤدي إلى ركود اقتصادي حاد وطويل الأمد، وأيضاً قد يبرز احتمال أن تقلص وزارة الإسكان عدد الوحدات السكنية المستهدفة بخطتها مع ما يصاحب الحالة الاقتصادية السلبية من عزوف عن الاستثمار بالعقار يضاف لذلك توقع تضرر كبير بقطاع الأعمال وتراجع بعدد القوى العاملة الوافدة مع ارتفاع بالبطالة بين المواطنين مما سينعكس سلباً على كل قطاعات الاقتصاد وأبرزها العقار الذي سيتضرر بكل أنواع منتجاته مما سيؤدي لتراجع حاد بالأسعار نتيجة انخفاض العائد لتراجع النشاط الاقتصادي وكذلك ضعف نمو السيولة بالاقتصاد.
من الواضح أن العقار يواجه تحديات صعبة بالسنوات القادمة فالكرة في ملعب وزارة الإسكان هكذا يراها المواطن والمطور على حد سواء للنهوض بالسوق العقارية السكنية ومن المهم أن لا يتوقف الاستثمار بالقطاع العقاري وضخ المنتجات خصوصاً السكنية لأن ضعف نموها سيحيلها لمشكلة أكبر مستقبلا مع نمو عدد السكان لتصبح أزمة سكن وليس أزمة تملك كما هو الآن ولذلك فإن تحفيز نمو الاقتصاد كخطة عامة ضرورة أساسية لدعم ضخ استثمارات بالقطاع السكني وحل مشكلة التملك بمنتجات مناسبة بأسعارها لقدرة المواطنين دون إرهاق بتكاليفها مع الجودة والمساحة المناسبة.