مها محمد الشريف
كل عام ينتظر المسلمون في أنحاء المعمورة بشغف هلال رمضان، ويستبشر كل فرد بهذه المناسبة الروحانية التي تسهم في جلب المزيد من الصفاء والنقاء لأداء العبادات، هكذا تعبر الشعوب الإسلامية عن فرحتها بطرق مختلفة، إذ تتزين الشوارع والبيوت بفوانيس الزينة والمصابيح ابتهاجاً بقدوم شهر الرحمة، ولكن العشرين سنة الأخيرة شهدت مظهراً آخر من مظاهر رمضان ألا وهو التسابق المحموم بين وسائل الإعلام، لعرض حصيلة عام من الأعمال التلفزيونية والإذاعية والمسلسلات والبرامج المنوعة، إذ يتم العرض بوتيرة متسارعة لا تراعي في كثير من جوانبها روحانية الشهر الكريم، لوجود زخم كبير من البرامج والأعمال التلفزيونية والإذاعية، استولى على الجوانب الاجتماعية في حياة الأسر، فقد كان رمضان في الماضي علاقات مجتمعية مترابطة فقط لأداء الصلوات والتسامر الأسري، ولم يكن شهراً للتسلية والمسلسلات والبرامج الترفيهية.
لا بد أن تضطلع اللجنة الدائمة للإعلام العربي بدور أكثر حيوية وفاعلية، من خلال التنسيق مع المدن الإعلامية والقنوات العربية الأكثر مشاهدة، التي تسعى إلى توسيع دائرة الأعمال الموسمية، لتتخطى حاجز النقد الاجتماعي المكرر والأعمال الكوميدية الباهتة، التي نشاهدها في رمضان من كل عام، وتنطلق إلى آفاق عمل واع من خلال إنتاج أعمال درامية وتلفزيونية تسهم في تحسين صور هذه الطقوس الغالية على قلوبنا، وهذه النقلة لن تتم بمعزل عن دعم الجامعة العربية وإنتاج برامج وأعمال درامية تلامس واقع مجتمعاتنا وتزيح الكثير من الصور المشوهة في أذهان المجتمعات الأخرى، مع مواكبة عرض تلك الأعمال عبر القنوات الأكثر مشاهدة، فضلاً عن ترجمتها وعرضها في القنوات الناطقة بغير العربية.
وأمام هذه الإشكالية التي اختلطت فيها روحانية الشهر بأجواء المرح والتسلية والدراما الإعلامية، لابد من حلول تضمن للمسلم الصيام في أجواء إيمانية خالية من الشوائب، وفي الجانب الآخر تضمن للمؤسسات الإعلامية دورها التجاري، لأن الإعلام أصبح أداة قوية ومؤثرة في حياة الأمم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كما أن الإنتاج المرئي والمسموع تجارة لا تقبل الخسارة.
وانطلاقا من الرؤية التي توائم بين الأجواء الإجتماعية والإعلامية، يجب أن نترك مجالا للعلاقات الأسرية ونعمل على صلة الرحم ليعمل كل فرد على هذه الأولوية ومصافحة العادادت القديمة بعيداً عن مواقع التواصل والشبكة العنكبوتية مؤقتاً خارج نطاق العمل طبعاً، ويقوم بدور المنسق والداعم في آن واحد، بحيث يتم الاستفادة من الوقت للعبادة والعلاقات الاجتماعية، وتقديم النصح والمشورة لمساعدة الأبناء في مواجهة التحدّيات التي قد يتعرّضون لها في إجازة العام الدراسية الطويلة.
وعلى المدن الإعلامية في الوطن العربي التنبيه لذلك، عطفاً على المساحة الكبيرة التي تشغلها، كما هو الحال بالنسبة لأي شركة استشارات رائدة، يعد مستوى جودة الخدمات التي تقدمها عاملاً أساسياً لضمان تميزها ومواصلة ريادتها ونجاحها في القطاع الذي تنشط فيه وبسبب التخصص في إستراتيجيات وحملات الاتصال المؤسسي والاتصال المالي والعلاقات العامة لكبرى الشركات والمؤسسات في مختلف أنحاء العالم، ترتبط جودة الخدمات بخبرة ومهارات فريق العمل الذي يعد أصل الهدف لتوعية دينية اجتماعية تكفل المسار الصحيح للأمم.
وقد بلغت نحو 9 مدن أشهرها المدينة الإعلامية بالقاهرة ومدينة دبي الإعلامية، كما أن دولا عربية أخرى تدرس إنشاء مدن إعلامية جديدة خلال السنوات المقبلة، ومنها المملكة، إذ كشفت الوزارة عن خمسة أهداف رئيسة ضمن برنامج التحول الوطني 2020، ومن أبرزها إنشاء مدينة إعلامية ومدينة إنتاجية لزيادة مستوى العمل الإعلامي والمحتوى المحلي داخل المملكة، وبالتالي فإن وجود هذا العدد من المدن الإعلامية في الوطن العربي، يمثل بنية أساسية تستطيع من خلالها جامعة الدول العربية تحديد مدينة في كل عام لاحتضان فعاليات الموسم الثقافي والإعلامي وجمع شتات الفنانين والإعلاميين في محيط واحد، واحتضان العديد من المهرجانات والندوات وفتح نوافذ النقاش لتطوير آليات العمل التلفزيوني والإذاعي.
لا بد أن تضطلع اللجنة الدائمة للإعلام العربي بدور أكثر حيوية وفاعلية، من خلال التنسيق مع المدن الإعلامية والقنوات العربية الأكثر مشاهدة، وعليها أن تسعى إلى تخفيض دائرة الأعمال الموسمية، لتتخطى حاجز النقد الاجتماعي المتكرر والأعمال الكوميدية الباهتة، التي نشاهدها في رمضان من كل عام، وتنطلق إلى آفاق العمل الهادف.