ثقافة فهم النفس أولاً ربما تكُون غائبة عند الكثير من الناس، هناك من يريد أن يفهم الاخر قبل أن يفهم نفسه وهذه عقبة لا يُمكن تجازوها في عالم المعرفة والادراك وإبداء الرأي والإصغاء. وهناك مقولة أعجبت بها: (ما لا نستطيع فهمه بالكامل لا نستطيع السيطرة عليه). يغلب على الكثِير من الناس إبداء النصح والمشورة وهو ناقص الفِهم والإلمام ومعرفة خبايا الأمور، في كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية لستيفن آر كوفي وفي التحديد العادة الخامسة (السعي لأن تفهَم أولا، قبل أن تُفهم)، للأسف هناك من يدعي الفهم وهو لا يفهم لكنه يؤمن بقوله أنا هُنا وهذا يبعث على تعميق الخلافات والاختلافات والمشي في خطين متوازيين.
الأب الذي لا يفهم موقف ابنته من زوجها وأسباب المشاكل قد يزيد الموقف ناراً واشتعالاً، المحامي الذي لا يفهم حيثيات القضية قد يوقع المتهم في شراكها وعلية أن يفهمْ أسس التمثيل والدفاع والمساعدة القانونية والمرافعة القانونية. المدير الذي يُدار من قبِل موظفيه عليه أن يفهم مسؤوليات وصلاحيات والوصف الوظيفي للوظيفة التي عُين بها قبل أن يقع في دوامة الجهل فيما يقوله. المتحدّث الرسمي عليه أن يفهم ما سوف يقوله للصحافة ويستعد للإجابة فكيف يكون ذلك قبل أن يفهم.. باختصار الفهم قبل أن تُفهّم.
هناك فئة من الناس تبدي النصح والمشورة للآخرين لكنها نصيحة ناقصة والسبب يعود إلى عدم الفهم، فإذا أردت أن تؤثر على الآخر فلا بد أن تفهه وتصغي لما يقوله وتغوص في أعماق ذاته وتدخل تاريخه حياته الماضي، ظاهرة الطلاق نعم إنها ظاهرة وليست مسألة عابرة أتعلمون أهم سبب إنه عدم فهم الطرف الآخر، إنه هو عدم التواصل والتحاور والتفاهم بين الطرفين، مما يجعل حياتهما أشبه بعالم من العزلة، فتبعد المسافات وتبدأ المشكلات وتتعقد الخلافات. كفانا تجاهلاً وتدخلاً في حياة الآخرين ما لمْ يطلب مِنا التدخل وقبل التدخل علينا أن نفهم لماذا؟ وكيف؟ وإلى متي؟ وأين؟
علاقات دُمّرت وانتهت، بيوت هُدِمتْ وتمزّقت، أبناء تاهوا في الحياة وعاشوا على هامش المجتمع، قرارات اًتخِذت في غفلة من الزمن وبقي تأثيرها طول المدي، كلِمات مُنمقة مزخرفه نقولها ولا نعي معانيها اجدبتْ الأرض التي غُرِستْ بها، نحكم على الآخرين بملبسهم ومركبهم ومالهم ولا نفهمْ على أي أرضٍ يقفون إنها تناقضات يعيشوها الكثيرون الذين لا يفهمون ما يقولون ولا يردوا أن يفهموا. إنه ليس سوء فهم بلْ عدم الفهم. أقتبس (لكي تتخاطب مع الآخرين بطريقة فعالة يجب عليك أن تدرك أننا جميعا» مختلفون في الطريقة التي نفهم بها العالم ونحن نستخدم هذا الفهم كدليل يرشدنا إلى الاتصال بالآخرين) رومان رولان.
وفي الختام تقديم المشورة للأخرين في كافة متطلبات الحياة تتطلب الفهم والبحث والتقصي ولا نقدم المشورة الناقصة التي ربما تكون كارثية مدمرة، وأشد على يد من يقول: (من قال لا أعلم أو لا أدري فقد أفتى)، لا أعلم كيف أفهّم وأنا لا أفهم.