يوسف المحيميد
إذا كان هناك مناسبة سنوية تعمل فيها قطاعات التسويق والترويج والمبيعات بكافة طاقاتها، فهي مناسبة شهر رمضان الكريم، ولا شك أن العلاقة طردية بين المستهلك وإعلانات الأغذية والأطعمة، والتخفيضات على الأسعار، في لهاث لا يتوقف من قبل التجار والمصانع والشركات لرفع معدلات البيع، وتعويض الركود الاقتصادي الذي يزداد في أوقات الصيف والإجازات السنوية الطويلة.
في هذا الشهر الكريم، ترتفع معدلات شراء مختلف أنواع السلع الغذائية وغير الغذائية، المطلوبة وغير المطلوبة، شراء كميات بالجملة تكفي لشهرين وأكثر، تكفي أكثر من بيت، في هذا الشهر الكريم يزداد السعار على الأكل، وينتشر الهدر الغذائي، وتمتلئ مكبات النفايات من النعم، بينما المفروض أن يحقق المسلم المتوقع من الصيام، والامتناع عن الأكل، والحكمة من ذلك، وتجربة الجوع والعطش، والتقشف في الحياة اليومية، خاصة أن هناك واحدًا من كل ستة أشخاص في العالم لا يحصل على ما يكفي من الغذاء للتمتع بصحة جيدة، وقارة آسيا وحدها تضم أكبر عدد من الجوعى في العالم، أي نحو ثلثي العدد الإجمالي من الجوعى هم في القارة التي نقطنها!
ولعل أغرب أنواع الهدر في الأكل هو ما نراه في المساجد والجوامع، حيث يتنافس الناس على فعل الخير، وإفطار الصائمين، لكن ذلك يوجد تعارضًا بين فاعلي الخير، وتتكدس الوجبات في المساجد، وتفيض عن الحاجة، مما يجعلها ترمى في صناديق النفايات المجاورة لهذه المساجد والجوامع.
إن فعل الخير ليس مقتصرًا على هذا الشهر الفضيل، وليس مقتصرًا على الطعام، ولا على القانطين في بلادنا وحدهم، وإنما الإحساس بالفقراء يجب ألا يرتبط بزمان ومكان، فالجوعى يعيشون حالة الجوع والفقر في رمضان، وفِي غيره من الشهور، في الوطن وفِي غيره من أوطان العالم، ما علينا سوى البحث والحرص على العثور على المستحقين والفقراء، ويتثبتوا منهم، ومن حالتهم، فهم الفقراء الحقيقون المتعففون، وليس من يتكاثر عند إشارات المرور والمساجد، ومن شاكلهم من عصابات التسول المنظمة، إن جزءًا من الأجر والثواب هو في البحث عن هؤلاء المحتاجين، والوصول إليهم، بعد معرفة ظروفهم المادية القاسية، ومن ثم مساعدتهم بكافة الطرق والوسائل، بل حتى من غير مساعدتهم، وإنما إرشاد الميسورين إليهم إنما هو من فعل الخير، فالدال على الخير كفاعله.
أبارك لكم -القرّاء الأعزاء- هذا الشهر الفضيل، جعلنا الله وإياكم من صوامه وقوامه، ومن المبادرين للخير فيه، وفِي غيره من الشهور.