د. عبدالواحد الحميد
قد يرى البعض أن الحكم القضائي الذي صدر من المحكمة الجزائية بجدة بحق داهسي رجل الأمن قاس جداً، فقد حكمت على المتهم الرئيسي بالسجن لمدة ثمانية عشر عاماً، وعلى المتهم الثاني والثالث ستة عشر عاماً لكل منهما، وعلى المتهم الرابع خمسة عشر عاماً وعلى ثلاثة متهمين آخرين خمسة أعوام، بالإضافة إلى عقوبة الجلد لكل المتهمين وإبعاد غير السعوديين بعد انتهاء محكوميتهم.
لكن حقيقة الأمر أن الاعتداء على رجال الأمن هو اعتداء على جميع أفراد المجتمع سواء كانت دوافع الاعتداء إرهابية، وهو ما يتفق عليه الجميع، أو كانت بسبب العبث واللا مبالاة، أو لأي سببٍ من الأسباب.
فرجل الأمن لا يمثّل نفسه عندما يرتدي اللباس الرسمي ويمارس وظيفة الحفاظ على الأمن والنظام وإنما يمثّل رمزيةَ وظيفتِهِ وهي وظيفة جليلة يستمد كلُ فرد في المجتمع الطمأنينة والراحة النفسية من كفاءة أدائها والقيام بها على الوجه المطلوب.
نعم، قد يجتهد رجل الأمن فيخطئ ويصيب، ففي النهاية هو بشر وليس نبياً. لكنه حين يخطئ، هناك جهة رسمية تطبّق عليه النظام وتقوم بتأديبه إذا تَطلّب الأمر.
إن الاعتداء على أي إنسان ولأي دافع هو أمر مرفوض ويجب معاقبة المعتدي وفق القانون، لكن الاعتداء على رجل الأمن هو أمرٌ آخر. وعندما شاهد الناس شريط الفيديو الذي التقطته إحدى السيدات من شرفة منزلها ووثّقت فيه ما قام به المعتدون من تجاوز فظيع وصل إلى درجة دهس متعمد لرجل أمن كان يمارس مهام عمله شعروا جميعاً كما لو أنهم هم الذين تعرضوا للاعتداء لأن رجل الأمن لم يكن يحرس منزله الخاص أو مزرعته أو محله التجاري وإنما كان يحرسنا نحن المواطنين والمقيمين.
تقدير الحكم القضائي المناسب للجريمة حدَّده القضاء بحكم الاختصاص، لكن ما يهم أفراد المجتمع هو أن يكون الحكم عادلاً ورادعاً. ويمكن القول، من خلال متابعة ورصد الكثير من ردود الأفعال، أن الناس كانوا سعيدين بهذه الأحكام التي أصدرتها المحكمة ليس لأنهم يكرهون الأشخاص الذين صدرت الأحكام بحقهم وإنما لأن تلك الأحكام سوف تردع أي عابث تسوّل له نفسه الاعتداء على الرجال الذين يسهرون على أمننا وراحتنا.
وقد كان من دواعي سعادة الكثيرين أن الأحكام القضائية تم نشرها في وسائل الإعلام، فعرف الجميع المآل الذي انتهي إليه المشاركون في الاعتداء على رجل الأمن، وهو ما طالب به الكُتَّاب والمعلِّقون في الصحف ووسائل الإعلام والمغرّدون في مواقع التواصل الاجتماعي.
الأحكام التي صدرت هي أحكام مبدئية، وهناك هرمية معروفة في التسلسل القضائي، ولكن في كل الأحوال يأتي صدور هذه الأحكام ليعكس جديَّة القضاء في التعامل مع جريمة دهس رجال الأمن وهذا يفرح المواطن والمقيم ويشعرهم بالأمان.