د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
المملكة العربية السعودية تتمتع بثقل جيوستراتيجي وديني واقتصادي وبعد أن أثبتت السعودية قدرتها على تشكيل تحالفين عربي وإسلامي عسكري بجانب قدرتها على حماية طرق التجارة التي تمر بها عبر مضيق باب المندب وقناة السويس وحماية القرن الإفريقي إلى جانب قيادة أسواق النفط العالمية وتنامي مساهمتها في صياغة أطر النظام الاقتصادي العالمي، حتى تحولت إلى نقطة الربط بين تلك المحاور، جعلت العالم والقوى الكبرى تتقاطر على كسب ود المملكة في إقامة شراكة إستراتيجية.
أتقنت المملكة العربية السعودية دور إقامة الشركات المتعددة، خصوصًا بعد زيارة الملك سلمان لآسيا إلى دول كبرى مثل الصين واليابان وإندونيسيا وماليزيا ومن ثم انخرطت مع الصين في تنفيذ طريق الحرير خصوصًا البحري الذي يمر بها من أجل أن الصين تطمح إلى الدخول إلى القارة الإفريقية التي تتميز بأنها خزان الموارد وسوق خام مستقبلي وهو ما جعل الولايات المتحدة ترصد وتترقب إقامة دول الخليج اتفاقية تجارة حرة مع الصين ورفضها التوقيع على الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي ما جعل الولايات المتحدة تسابق الصين ولن تترك تلك المنطقة للصين بمفردها كمنطقة تجارية تابعة لها.
أي أن هذا الاختيار كان مدروسًا بعناية فائقة ودقيقة تأتي ضمن برنامج الرئيس ترامب أمريكا أولاً ويخطئ من يفهم أمريكا أولاً أن ترامب يعد دول الخليج كما يردد عملاء إيران، فيما لم يفهموا أن أمريكا أولاً أوضحها ترامب بأن الصين قضت على الوظائف الأمريكية لأسباب اقتصادية عديدة منها انخفاض العملة الصينية الذي يقضي على المنافسة العادلة ويفتح الباب أمام الصادرات الصينية على حساب الصادرات الأمريكية والإنتاج المحلي، أي أن أمريكا أولاً تعني أن يكون هناك تبادل منافع وشراكات متبادلة، وترامب رجل مال يرى أنه يجب التعادل في الصفقات.
يبدو أن الحكمة السعودية والنظرة التي يتمتع بها قادة هذا البلد الطويلة بل القراءة الدقيقة لسجل ترامب الانتخابي الذي يختلف تمامًا عن سجل أوباما السياسي، بينما إستراتيجية ترامب أمريكا أولاً جعلت ترامب لا يترك المنطقة لقمة سهلة وسائغة للصين، وهذا لا يعني التوقف عن الشراكات مع الصين، لكن زيارة ترامب للسعودية تبعث برسائل اقتصادية للفاعلين الرئيسين على المستويين الإقليمي والدولي بأن أمريكا ما زالت دولة عظمى وتدافع عن مصالحها في المنطقة وفق شراكات اقتصادية وسياسية وأمنية لذلك هي ستحافظ على أمنها ولن تترك الدول الإقليمية العبث بتلك المنطقة الإستراتيجية.
تلك الزيارة التي وصفت بالتاريخية من قبل الإعلام العالمي وخصوصًا الأمريكي تنقل الشراكة بين البلدين من شراكة ماضي النفط إلى مستقبل التكنولوجيا، والتحول من النفط إلى الاستثمار أبرز هذه التدفقات الاستثمارية ستكون في التكنولوجيا.
الملك سلمان والرئيس ترامب وقعا إعلان الرؤية الإستراتيجية المشتركة بين الرياض وواشنطن باتفاقيات وصفقات استثمارية بـ280 مليار دولار لنقل المعرفة وتوطين التقنية.
اتجهت السعودية نحو اتفاقيات لتصنيع المنتجات عالية القيمة، والاستثمار في التقنية والبنية التحتية، لذلك نجد رؤساء شركات أمريكية كبرى في الرياض مثل (سيتي جروب) و(داو كيميكال) و(جنرال إلكتريك) لتوسيع نطاق الاستثمار أي أنه كان لقاء يجمع الرؤساء التنفيذيين لكبريات الشركات الأمريكية مع نظرائهم في السعودية، تحت مسمى منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي - الأمريكي الأول 2017 يهدف إلى تعزيز الشراكات التجارية وتوفير فرص العمل وجلب الاستثمارات.
الشراكة الاقتصادية بين البلدين سينعكس في تشكيل رؤية جديدة تعزز العلاقات التاريخية بين البلدين وبصورة أكبر في بعدها السياسي والاقتصادي، ومن تمتين العلاقات الثنائية والإقليمية التي ستعزز أدوار الشركات الأمريكية وإسهاماتها في التنمية والابتكار والاستثمار في القدرات المحلية إحدى نقاط الضعف التي عاقت النمو في الفترة الماضية كل ذلك من أجل أن يصب في تحقيق رؤية المملكة 2030 بشكل سريع.
لقد برزت المملكة كقوة اقتصادية وسياسية تحظى بتأثير كبير على المستوى الإقليمي وهي تواصل مسيرتها نحو التقدم والنمو بفضل رؤيتها وإستراتيجياتها التي تجمع بين استخدام الموارد الطبيعية والتنويع الاقتصادي.
يهدف منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي - الأمريكي الأول الذي يعقد تحت شعار (شراكة للأجيال) الذي سيعقد سنويًا لبحث أفضل الممارسات والحلول التي تضمن جدوى واستدامة الاستثمارات بين البلدين ووضع الخطط الإستراتيجية للتنفيذ على أرض الواقع.
سيركز المنتدى على توسيع نطاق التجارة بين البلدين للمساهمة في توطين الوظائف وتوفير فرص عمل جديدة في المملكة بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030، وتضمن المنتدى أربع جلسات حوار شارك في الجلسة الأولى المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية الذي تحدث عن بناء القدرات الصناعية، وفي الجلسة الثانية شارك الدكتور ماجد القصبي وزير التجارة حول التقدم الذي أحرزته السعودية في تعزيز الشراكات التجارية، وفي جلسة أخرى شارك محمد التويجري نائب وزير الاقتصاد والتخطيط عن موضوع الخصخصة إضافة إلى جلسات أخرى ناقشت فرص الاستثمار في السعودية.