محمد عبد الرزاق القشعمي
ولد الأستاذ محسن بن أحمد باروم بمكة المكرمة عام 1347هـ- 1928م، وبمدرسة الفلاح تلقى تعليمه الأولي والتخصصي، ثم واصل تعليمه في مصر حيث التحق بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر وحصل منها على (البكالوريوس)، وعمل فور تخرجه في الإذاعة السعودية كمذيع عند إنشائها عام 1369هـ-1950م، وكان متعلقاً بالتعليم فلهذا عاد مدرساً بمدرسة الفلاح، ثم في مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة، وقد أمضى في التعليم تسع عشرة سنة، تقلد مناصب تعليمية عدة؛ إذ كان مفتشاً للغة العربية ثم مفتشاً أول في مديرية المعارف العامة فمعتمداً للتعليم في جدة، ومنذ أن تحولت مديرية المعارف العامة إلى وزارة عام 1373هـ- 1954م شغل مناصب تعليمية وتربوية مختلفة منها: مدير إدارة التفتيش الفني، مدير عام التعليم الابتدائي، مدير عام التعليم الثانوي، مشرف التعليم المتوسط ومعاهد إعداد المعلمين والتعليم الفني، مدير المكتب الثقافي في أوربا، مدير عام التعليم العالي، مستشار وزارة المعارف للمنطقة الغربية حتى تقاعد بناء على طلبه في شهر رجب عام 1390هـ- 1970م.
وقد ألف خلال مسيرته التعليمية نحو 22 كتاباً للمراحل الدراسية في مختلف فروع اللغة العربية، كما شارك في تأليف الكتب الدراسية المقررة على المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والثانوية للبنين والبنات، وله كتابات تربوية واجتماعية في الصحف والمجلات المحلية، كما ألقى كثيراً من المحاضرات التربوية الثقافية.
وقد اختير عضواً في الهيئة التأسيسية لمشروع إنشاء جامعة الملك عبدالعزيز بجدة ثم أميناً عاماً لها، إضافة لعمله كعضو بهيئة نظارة أوقاف السادة العلويين بمكة المكرمة حتى عام 1415هـ بعد تقاعده، وإضافة لإشرافه على مؤسستين علميتين هما دار الشروق ودار عالم المعرفة وكان هدفه من ذلك نشر العلم وليس الكسب المادي.
لقد زرته بمكتبه بأوقاف السادة العلويين بجدة مساء يوم 16 جمادى الأولى 1418هـ وكنت وقتها في زيارة عمل بجدة حيث كلفتني مكتبة الملك فهد الوطنية بمقابلة بعض الأعلام من الأدباء والمربين، لتسجيل التاريخ الشفوي معهم، حيث تم التسجيل مع الأساتذة : عبدالله مناع، وحسين عرب، وعمر عبدربه، وأبي تراب الظاهري، وعبدالغني قستي، وعبدالفتاح أبو مدين، ومحسن باروم، رحم الله من توفي منهم وأطال عمر الباقين.
لقد كان لقائي بالمرحوم بمكتبه، وما أن اتصلت به وعرف مهمتي حتى رحب بي وأعطاني ثلاث ساعات من وقته تكلم باستفاضة وبصراحة متناهية.
عرفت منه كثيراً من المعلومات التي لم أكن أعرفها فإضافة لعمله القيادي في مجال التربية والتعليم والهيئة التأسيسية لجامعة الملك عبدالعزيز، يعتبر أول أمين عام لها عندما كانت جامعة أهلية، كما أنه أول أمين عام للجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بوزارة المعارف من عام 1380هـ، وله دور مهم حيث شارك في تنظيم المراحل الدراسية وتقسيم التعليم الثانوي إلى متوسط وثانوي بعد أن كان سابقاً يطلق عليه ثانوي فقط لمدة خمس سنوات. كان رحمه الله يتحدث اللغة العربية الفصحى ويتجنب الحديث باللهجة المحلية.
تحدث عن ظروف انتقال الوزارات من مكة إلى الرياض وصعوبة وجود الأماكن المناسبة للإدارة أو للسكن، وتأقلم ابن الحجاز مع البيئة النجدية. وقال إن هناك بعض الإشكاليات حصلت بين بعض مسؤولي المعارف، وأن الأستاذ ناصر المنقور قد انتقل من الوزارة إلى أمانة مجلس الوزراء وأنه بحكم علاقته وصداقته مع جميع المسؤولين بالوزارة قد علم بالخلاف، ومن خشيته أن يزداد. اقترح إنشاء مكتب ثقافي تعليمي بسويسرا يكون مسؤولاً عن الطلاب السعوديين الذين يتعلمون في أوربا، وقد صدرت الموافقة السامية فعلاً ونص على أن يتولى هذا المكتب في جنيف الأستاذ محسن باروم شخصياً.. وقال: إن الأستاذ المنقور قابله بعد أسبوع وسأله: لماذا لم تسافر ؟ فقلت: إلى أين ؟ فقال: إن الأوامر قد صدرت بنقلك للعمل مسؤولاً عن الطلاب في أوربا وقد تمت الموافقة على افتتاح مكتب هناك. فرددت عليه بأنه لا علم لي بذلك، فعلم أن الأمر لم يبلغ للمقصود لأمر ما .. فما علمت في الغد إلا بالأوامر تصدر من وكيل الوزارة وقتها الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ - رحمه الله- بتنفيذ الأوامر. يقول إنه ذهب إلى هناك وافتتح المكتب - ويعتبر أول مكتب يفتتح بالخارج ويكون مسؤولاً عن الطلبة السعوديين بعد مصر - وبدأ بجولة في أوربا للاطلاع على أحوال الطلبة وربطهم بالمكتب وحل ما قد يعترضهم من مشاكل وعقبات وكان يلتقي بهم في إجازة كل أسبوع وأصبحوا كالأسرة الواحدة، وأثناء هذا نقل الأستاذ عبدالعزيز المعمر كسفير للمملكة في (برن) عاصمة سويسرا فكنا نخصص للقائه بالطلبة ليلة كل سبت حيث العطلة الأسبوعية فكان يعامل الطلبة معاملة الأب لأبنائه، فكان يتابع دراساتهم ويهتم بأمرهم وأخذ يمتدح المنقور والمعمر ويكيل لهما الشكر والثناء.. وبقي في جنيف مدة ثلاث سنوات.