سعد بن عبدالقادر القويعي
تحدثنا لغة الأرقام, بأن كتب الراحل الدكتور غازي القصيبي, ونتاجه - الفكري والأدبي - سجلت حضوراً في قائمة الأكثر مبيعاً لدى عدة دور نشر عربية في معرض كتاب الرياض الدولي 2017؛ لتخرس كلماته في كتبه الستين, الزاخرة بالعذوبة, والحيوية, والتلقائية كل الألسنة التي تحدثت عن ذاته؛ وليلامس تميّز نتاجه الذهني المتنوع بين الشعر, والرواية, وكتابة المقال شغاف قلوبنا بعد أن نفذت إلى أعماق نفوسنا. فغازي كما كان مثمراً في وجوده العيني, لا بد أن يكون مثمراً - وبدرجة أكبر - في غيابه, ومهما تقشفنا في الكتابة عنه بغية الدقة, وطلب الإيجاز, وتجنب التكرار, فإن قلادتنا - حتماً - لن تحيط بعنق التجربة.
اليوم، تمر ذكرى جديدة من يوم رحيلك بعد أن قدمت خدمات جليلة لإنسانك, وذاتك، وما بدر عنك من مواقف بارزة في خدمة رسالتك, ووطنك. وسنفخر بتجربتك الأنموذج الذي يغري بالاقتداء, ويعي تعقيدها, ويدرك امتناع تكرارها. فطبيعة الحياة, ومعطيات الواقع, وثنائية - الزمان والمكان - جعلتك في قائمة صنّاع الثقافة العربية, وصانعي وجدانها, باعتبارك من أهم رواد الفكر, والأدب - العربيين -.
تخجل حروفي, وتطول في وصف إنسان كغازي الراحل عنا جسداً, والساكن فينا أدباً, وكلمات, وذكرى. فهو الشاعر, والكاتب, والروائي, والأديب, والحقوقي. كما هو المثقف الوطني, والسياسي, والمفكر, والمربي, والإداري البارز, والمترجم؛ ولأنه فريد من نوعه, فقد استحق كل تلك الألقاب بجدارة. فهو وإن رحل عنا بجسده؛ لكنّه بقي معنا بشعره, وبرواياته, وبأدبه, وبذلك الإرث الضخم, والثمين, وبفسيفساء الروح الواحدة المكنونة في العقل, والقلب, والوجدان.
في قراءة نتاجه الضخم, تجده مجموعة أفلاك في فلك واحد. فإنجازاته سُجلت بحروف بارزة, وستبقى ثابتة على مر الزمان, وحاضرة في ذاكرة محبيه. وستظلّ شهادة حق على مواقفه الثابتة, ودليلاً ناصعاً على سعة أفقه، ودقة رؤيته، وجلاء فكره؛ لأنه في كل حياته يُعد أنموذجاً للإنسان «الاستثنائي».
رحلت أيها الشاعر, والأديب, والديبلوماسي السياسي؛ ولكنك لم ترحل عن قلوب مُحبيك، ولا عن عقول أعدائك. بل ستبقى كتاباتك, وإبداعاتك مثار جدل, وحوار, وتأثير. وسنعبّر - من خلالها - عن مدى الحب الكبير, والأثر الذي تركته في نفوس من تعاملت معهم. وسنذكرها بمزيد من الفخر, والاعتزاز على مر الأجيال, والسنين.