د.عبدالله الغذامي
تغيرت قيم العائلة بسبب الشاشة المتحركة، ونشأت تكوينات افتراضية تصنع بيئة بديلة، وتشكل نوعاً خاصاً من الوئام والتجانس الذهني.. كأن تعيش زمانا غير زمانك ومكانا غير مكانك، ويشيع أن ترى عائلة أو مجموعة أصدقاء في مطعم أو مقهى ثم تلحظ أن كل واحد منهم ينكب مندمجاً مع جهاز الجوال ولا يتحرك منه غير أصابعه، ويظل كل واحد من أفراد الجمع معزولاً عزلاً تاماً عن باقي المجموع، وهذا نوع من التواصل يختلف عن أنظمة الوصل المعهودة، وإن كانوا حضروا للمطعم بنية بناء صلة وألفة بينهم لكن الألفة تتجه باتجاه آخر، وهو اتجاه طوعي تم اختياره آلياً ويتميز بأن يمنح إغراء حراً في التواصل ليس له شروط مادية ولا معنوية، وهذا ما يغري به لأنه لا يلزمك بأي شيء، حتى إن انقطعت عنه فأنت لا تشعر بأي ذنب أخلاقي أو قانوني بما إن علاقتك به هي علاقة افتراضية إمتاعية واندماجية حرة، وتنقطع عنه بنفس الدرجة من الإمتاعية بمجرد أن تمل أو أن تجد ما هو أمتع، وهذه الخاصية هي التي تغري بهذا النوع من التواصل الخالي من المسؤوليات ومن الالتزامات، وتبقى العلاقات الأسرية والواقعية قائمة، ولكن الإمتاع والحيوية ليست معها، وهنا تنقسم علاقات التواصل إلى نوع رسمي وازعه ديني أو أخلاقي أو نفعي، ونوع حر دافعه إمتاعي ويؤسس لتسلية حرة خالية من أي مسؤولية ذاتيه أو اجتماعية، وله مردود في تنمية البعد التواصلي بتمديده وفتحه على منافذ مشرعة به يتعرف المرء على فضاءات غير محصورة، وصار الفرد الواحد يتوزع على مجاميع يحمله الجوال الصغير نحوها، حيث يختصر المسافات والذهنيات بروابط قانونها المتعة الظرفية والوجدانية. وهذه هي البنية الشعورية لمفهوم العائلة الافتراضية. أي أنها عائلة تشبع الحاجة الغريزية للتواصل والتفاعل بصيغة ترفع عنها القسرية والمجاملة، وتعفي من شروط التواصل المفروض ويحل الافتراض محل المفروض. مما يزيد من درجات التواصل بما إنه متعة وليس قانوناً اشتراطياً.