حسن اليمني
ما أكثر ما شهدنا حيوانا بأخلاق إنسان وإنسان بأخلاق حيوان! ليس في الأمر عجبا ولا غرابة، فنحن نشاهد كثيرا من المواقف التي نتوقف مدهوشين أمامها, فكم من حيوان مفترس شاهدناه من خلال منافذ التقنية يرأف برضيع كان فريسة محتملة، وكم سمعنا ورأينا من إنسان يعذب أخاه الإنسان بما لا يتحمله العقل، فمستوى الأخلاق ربما هو الذي يحدد (أنسنة) المخلوق وليس طبيعة خلقه.
بعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليكمل مكارم الأخلاق ووصفه الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم في قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقد اتصف الرسول عليه الصلاة والسلام بالأمانة والصدق كإنسان قبل النبوة، فالأخلاق هي قيمة الإنسان قبل أي شيء آخر، ومن العجب أن يخلو التعليم في مراحله الأولى من مادة تعنى بـ(أنسنة) الاخلاق والسلوك، وقد يحتج بأن في المناهج الدينية ما يكفي لتهذيب الأخلاق وتحصينها، لكن هذا احتجاج ربما لا يكون سليماً منطقياً في سعة مساحة الإنسان كإنسان، إذ ليس كل الناس مسلمين وليس كل الناس على منهج واحد، وما هو مباح أو منطقي هنا قد لا يكون بالمثل هناك، وإن كنا نريد تنشئة جيل متجانس بأخلاقه مع الناس فلتكن الاخلاق إنسانية قبل أي شيء آخر.
الإرهاب الذي أصبح على ألسنة الناس في مشارق الأرض ومغاربها ليس كما تصوره لنا وسائل الإعلام ذا وصفة عقائدية خص بها الإسلام دون غيره، هذا افتراء وكذبة سياسية انطلت على الكثيرين وصارت دارجة حتى على ألسنة منتمين للإسلام ذاته، والحق أن الإرهاب عمل مباح وممارس من كل دول العالم باعتباره وسيلة زجر لتجنب الشر, لكن هذا لا ينفي حقيقة ان هناك عصابات اجرامية تلبست الدين الإسلامي للقتل ونشر الفوضى ووصفت بالإرهاب من قبل لغات مختلفة في مصطلحاتها اللغوية لتحل محل هلال الشيطان وصليب الكفار في عالم ارتقى بإنسانيته على التصنيف العقائدي والثقافي بفضل التطور الفكري والمادي والحضاري والسعي لإعمار الحياة وتبادل المصالح بالسلم والتعاون، وان كان هذا ليس إلا ظاهرا يخفي بطياته حقيقة وجود الصراع الحضاري المستمر بين الإنسان والإنسان منذ القدم كمنطقية الصراع بين الخير والشر.
يعتقد البعض أن المناهج الدينية والتجمعات والجمعيات الدينية أيضا في مدارس الدول الإسلامية بؤر تغرس فيها بذور التمرد على واقع للعالم الإسلامي يئن تحت وطأة التخلف والمهانة من قبل قوى مختلفة في العقيدة والثقافة وهذا اعتقاد منطقي وموجود في كل الأمم بمختلف معتقداتها وثقافاتها إلا أن مشكلتنا ليست هنا وانما تكمن في تشوه السلوك الفكري والمادي الناتج عن تقوقع الافق وضيق خياراته، ونرى هذا بوضوح في حب التسلط والانتهازية والكذب والخداع والاتجار بالمبادئ والقيم للكسب بمختلف أنواعه ولا يقتصر الأمر هنا على عامية الناس ولكن حتى خاصيتهم ورموزهم.
علينا ان نواجه الحقيقة ونتقبلها برغم عسر هضمها وان نؤمن بأن الإسلام هو فعلا دين الأخلاق، لكن لا نكتفي بذلك إذ علينا أن نعي أيضا انها في الأساس اخلاق إنسانية للجميع ومع الجميع، أمم أخرى تدارست ذلك منذ القرن السابع عشر الميلادي وطور مفكروها فلسفة المنطق والأخلاق واتجهت نحو (أنسنة) الأخلاق والسلوك بعيداً عن ضغوطات الكنائس ورهبانها فاستطاعت ان تنشئ مجتمعات منتظمة في سلوكها مرتقية بأخلاقها ناهضة بعملها، لتصبح دولها اليوم في مقدمة الركب الحضاري دون أن تنسلخ من معتقداتها وثقافاتها برغم تباين مذاهبها وألسنتها، بل صار سلوكها الإنساني منارة تقتدي بها الأمم الأخرى بما فيها نحن، لكن من باب الاعجاب والانبهار، فلا زلنا عاجزين عن الاقتداء لعدم قبولنا حتى اليوم لمناهج فلسفة المنطق والأخلاق باعتقاد خاطئ انها منافية للدين وهو فهم غير صحيح لكنه أنتج لنا عقولا متطرفة بلا أخلاق إنسانية.