فضل بن سعد البوعينين
لم تتوقف الإشادات الدولية المستحقة للمملكة منذ انتهاء القمم الثلاث التي أقيمت على أراضيها، ولعل من أهم الإشادات الدولية ما ارتبط منها بالإجراءات الأمنية التي وفرت الحماية التامة لوفود 51 دولة على ضخامة أعدادها وأهمية الزعماء المتواجدين فيها؛ وفي مقدمهم رئيس الولايات المتحدة الأميركية «دونالد ترمب».
الترتيبات الأمنية واللوجستية المحكمة دعت وزير التجارة الأميركي «ويلبور روس» للقول «ألا دولة تستطيع التحضير لحدث كهذا مثل السعودية»؛ اعتمادا على قصر مدة الاستعدادات؛ ومكان انعقاد القمم وسكن الوفود الرسمية؛ وتنقلها للمواقع المستهدفة بالزيارة أو الافتتاح.
تجلت قدرات المملكة الأمنية في جميع القطاعات العسكرية والتخصصات الأمنية؛ وأهمها مكافحة الإرهاب التي حصلت بموجبها على إشادات دولية؛ وأسهمت من خلالها في حماية أمن بعض الدول الغربية المستهدفة بعمليات إرهابية تمكنت المملكة من كشفها والتحذير منها.
لم تعد عمليات مكافحة الإرهاب الداخلي كافية لاستئصال شأفته؛ بعد أن حظيت جماعاته المنظمة بغطاء دولي مستتر؛ أو دعم مباشر من بعض الدول الراعية للإرهاب؛ أو تلك التي قبلت أن تكون جسرا لتنظيمات استخباراتية دولية؛ يمر من خلالها الدعم المالي والإعلامي واللوجستي. حملت أهمية الشراكة الدولية في مكافحة الإرهاب المملكة على المساهمة في إنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)؛ وتدشينه من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بمشاركة الرئيس دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وقادة ورؤساء وفود الدول المشاركة في القمة العربية الإسلامية الأمريكية.
جهود دولية تقودها المملكة لمواجهة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب من خلال الرصد والتحليل وإرساء سبل الوقاية منه. استثمرت المملكة خبراتها في مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف لدعم المركز الدولي؛ وترسيخ الفكر المعتدل؛ وللتأكيد على انخراطها الكلي في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والسلم الدوليين.
تدير المنظمات الإرهابية؛ ومنها داعش على سبيل المثال لا الحصر؛ شبكة إعلامية متكاملة؛ وذات كفاءة؛ تنفذ من خلالها للمجتمع الدولي وتخاطب الشباب والمراهقين بطرق غير مباشرة؛ ما يسهم في دعم عمليات تجنيد الشباب.
أشارت السعودية إلى وجود أكثر من ثلاثة ملايين تغريدة داعمة ل «داعش» على تويتر؛ وأكثر من مليون وسبعمائة ألف مقطع فيديو إرهابي. لم يعد سراً أن الشبكات الإلكترونية باتت قاعدة التنظيم التي يعتمد عليها في التجنيد والتواصل وإصدار الأوامر بتنفيذ العمليات الإرهابية.
وعلى الرغم من أهمية مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف؛ إلا أنه لا يمكن أن يكتب لتلك الجهود الدولية النجاح في مواجهتها؛ إرهاب الدول والتنظيمات؛ إلا من خلال تجفيف منابعه وتتبع قنوات تمويله ووقفها؛ وهو محور المكافحة الحقيقية الضامنة لتحقيق النتائج الإيجابية. فالمال عصب المنظمات الإرهابية؛ ومن خلاله يمكن توجيه جماعات الإرهاب وتجنيد الأفراد وتمويل العمليات وشراء الذمم.
وقف التدفقات المالية عن التنظيمات الإرهابية كفيل بتآكلها؛ وتقلص عملياتها ومخاطرها. ولولا تدفق التمويل على داعش وحزب الله والمنظمات الأخرى لما استطاعت أن تستمر في عملياتها وتتوسع في مناطق نفوذها حتى باتت تسيطر على أجزاء مهمة من الدول العربية.
أهمية مكافحة تمويل الإرهاب دفعت المملكة ودول الخليج والولايات المتحدة الأميركية لإنشاء مركز مشترك لتجفيف مصادر التمويل، التي أعتقد أنها تشكل رأس حربة المواجهة مع الإرهاب.
من المنتظر أن يسهم مركز مكافحة تمويل الإرهاب في إنهاء سنوات طويلة من تدفق الأموال للتنظيمات الإرهابية؛ ومنها ميليشيات حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن والحرس الثوري الإيراني وتنظيم داعش. يمكن للولايات المتحدة أن تسهم بشكل فاعل في تجفيف منابع تمويل الإرهاب وقطع قنوات التمويل التي تعتمد النظام المالي العالمي قاعدة لها؛ أو ربما جاءت من خلال دول لم تصنف بعد على قائمة الإرهاب؛ وهي الدول التي تستغل من قبل تنظيمات استخباراتية لتنفيذ أجندات خارجية.
ربما أسهم دخول الولايات المتحدة الأميركية كعضو مؤسس للمركز في فتح ملفات تمويل داعش المغلقة؛ التي وفرت له مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية. يجب أن نعترف أن تغير الرئاسة الأميركية أدى إلى تغيير إستراتيجية مكافحة الإرهاب وفتح ملفاته القديمة ذات العلاقة بالدول والاستخبارات والشخصيات الاعتبارية.
من المتوقع أن يشهد المجتمع الدولي مفاجآت مذهلة في عمليات مكافحة تمويل الإرهاب والكشف عن بعض المنخرطين فيها.
أختم بالتذكير بمطالباتي السابقة بوجوب حشد الجهود الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب؛ وما كتبته في مقال «تمويل الإرهاب الإيراني في الخليج» الذي جاء فيه: «تجفيف منابع تمويل الإرهاب في حاجة إلى جهود خليجية محكمة؛ ودولية شاملة؛ وتكامل أمني عالمي يضمن عدم السماح للتدفقات القذرة بالمرور من خلال شبكات التقاص الدولية؛ أو النقل؛ أو التبادلات التجارية التي تستخدم كغطاء لغسل الأموال القذرة وتمويل الإرهاب. التراخي الرقابي المتعمد من قبل بعض الجهات الأمنية الغربية قد يسمح بمرور الأموال القذرة لجماعات الإرهاب؛ لأسباب استخباراتية صرفة. الكشف عن بعض تلك العمليات كفيل بوقفها ومحاسبة منفذيها وتسليط الضوء على من يغض النظر عنها تعمدا». وهذا ما ننتظر حدوثه في الأيام المقبلة.