الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف
مدينةٌ تمَّ تأهيلها باقتدارٍ... فأضحت عالميَّةً.. ومستعدَّة. كانت دوماً ولا زالت محطَّ الرِّحال والرِّجال، وهي اليوم في ذروة مجدٍ وتطوُّرٍ ونموٍّ لم تبلغه في تاريخها... على يد رجلٍ لم يبلغ تاريخها مثله. وهاهو كما قفز بمدينة الرِّياض لمصافِّ المدن العالميَّة الكبرى، يعزِّز ويُفعِّل المكانة العالية للمملكة العربيَّة السعوديَّة، ويؤكِّد قيادتها للعالمين العربيِّ والإسلاميِّ متجاوزاً التَّنظير ليصبح واقعاً ملموساً ومقبولاً.. بل مطلوباً ومفيداً لجميع الأطراف.
لا أظنُّ أنَّ مدينةً على الأرض حظيت بعلاقةٍ كالتي حظيَتْ الرِّياض بها بسلمان. أوْلاها أجملَ أوقاته وأثمنَ جهده وغاية حبِّه فكانت رياض سلمان التي ستبقى آثاره وتأثيره فيها وفي أهلها وسكَّانها ما بقي الدَّهر. والحمدلله أنَّنا جميعاً ننعم بثمار ما تمَّ من تنميةٍ وما بُذل من جهدٍ، كان آخره ما تمَّ الأيَّام الماضية من تجمُّع عالميٍّ في القمم الثَّلاث والذي جمع في وقتٍ واحدٍ عدداً كبيراً من الملوك والرُّؤساء والزُّعماء وأفواجاً أخرى كبيرةً وكثيرةً من الرِّجال والنساء قلَّما تتواجد في وقتٍ واحد. ويكفي الإشارة أنَّ من حضر فقط من رجال مالٍ وأعمالٍ وإعلامٍ قد يفوق ما يتمُّ عادة في تجمُّعٍ عالميٍّ كدافوس. بالإضافة إلى ذلك، فقد شاهد الجميع العدد الكبير من الاجتماعات واللقاءات والفعاليَّات بجانب القمم الثلاث وكيف أنَّ الرياض استطاعت إبراز بعض وليس كلَّ إمكاناتها لاستيعاب الأنشطة المصاحبة للقمم الثَّلاث، وكذلك إمكاناتها الإداريَّة في التَّرتيب والتَّنظيم والتنسيق والتيسير لمثل هذه التظاهرات العالميَّة. ولا يخفى على أحدٍ ما تمَّ من دعمٍ واستعداد في وقت قياسيٍّ مُعجز لإمكانات المدينة ومتطلَّبات الحدث، وبمستوىً مدهش. وهي جهودٌ أتقن فكرتها وإنجازاتها المُبتكرة، وقام على التَّرتيب لها بدقَّةٍ ووضعها موضع التَّنفيذ المتميِّز وليُّ وليُّ العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
لن أتحدث عن الإنجازات السِّياسيَّة التَّاريخيَّة لهذا الحدث ولا عمَّا تمَّ من ترتيباتٍ سياسيَّة رائعةٍ سبَقت هذا الحدث وهيَّأت له ودفعت به لحيِّز الوجود، ولا عن النَّتائج التَّاريخيَّة الإيجابيَّة التي ستنعكس على هذه البلاد وأهلها بالخير العميم بإذن الله والتي ستضع قيادة المملكة للعالمين العربي والإسلامي في أعلى مراتبها، وستزيد من فخر السُّعودي بسعوديَّته وبكفاءته وتأهيله واستحقاقه لمثل هذه الرِّيادة. وسأترك الحديث عن الجوانب السياسيَّة والأمنيَّة والإعلاميَّة للمتخصِّصين في ذلك، ويكفي أن أشير إلى أنَّ النَّتائج كانت وبحمد الله وتوفيقه بنفس مستوى الروعة والإتقان التي واكبت التَّرتيب للحدث وكذلك ماسبقه من نشاطاتٍ دبلوماسيَّةٍ سعوديَّةٍ على مستوى القيادة، وهي نتائج ستنعم الدَّولة وسننعم جميعاً كمجتمعٍ سعوديٍّ بنتائجها لعقودٍ طويلةٍ قادمة. كما نعمنا وينعم أبناؤنا وسبق أن نعِم آباؤنا وأجدادنا من قبل بتوفيق الله ثم حكمة وسياسة وجهد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز.
سأقتصر الحديث هنا على ما تمَّ خلال القمم الثَّلاث من ترتيباتٍ مكانيَّةٍ وإداريَّةٍ ولوجستيَّةٍ أثبتت بما لا يدع للشكِّ مجالاً بإنَّنا ولله الحمد نملك من الإمكانات والقدرات الكثير، وأنَّ الرِّياض المدينة بما فيها من بنيةٍ تحتيَّةٍ وفوقيَّةٍ وأجهزةٍ خدميَّةٍ وقبل ذلك من الرِّجال، دائماً ما تكون على مستوى الحدث. لم يكن مستغرباً من مدينة أدارها ورعاها سلمان بن عبدالعزيز لأكثر من خمسة عقودٍ أن تكون بهذا المستوى. فجميع من يعمل مع أو حول سلمان بن عبدالعزيز يعرف احتواءه حفظه الله، للكفاءات السعوديَّة في أيِّ موقع مسؤوليَّةٍ كان، بل يزيد على ذلك بأنَّه يستثمر الكثير منهم بتقريبهم ودعمهم والثِّقة بهم وفسح المجال لهم للإبداع والإنجاز وبرعايته وتوجيهه. فمدرسة سلمان هي مدرسةٌ حاضنةٌ للكفاءات، صانعةٌ للرجال، وهو بحقٍّ مبدعٌّ استثنائيٌّ في إدارته وعملاقٌ في أدائه. وجانب آخر أيضاً.. أن الملك سلمان بن عبدالعزيز يحثُّ ويشجِّع على العمل بروح الفريق، وكانت هذه السِّمة هي المميِّزة للبيئة الإداريَّة من حوله، ولم يكن سلمان بن عبدالعزيز يقبل بغير ذلك.
عند الحديث عن البُنى التحتيَّة والفوقيَّة ووجود المشاريع المتميِّزة في الرياض والتي استوعبت مثل هذا الحدث التاريخي، ندرك أن السَّبب بعد توفيق الله وعنايته أنَّه وعندما كان سلمان بن عبدالعزيز أميراً لمنطقة الرياض، كان يخوض معارك تنموية من أجل مشاريع المدينة ولا يترك فرصةَّ إلا ويستثمرها من أجل ذلك. كان لا يلتفت للزَّبد الذي يذهب جُفاءً بل يسعى إلى ما ينفع النَّاس ويمكث في الأرض. ولذلك كان جلُّ تركيزه على البُنى التحتيَّة والفوقيَّة للمدينة، فبالإضافة إلى متابعته الدؤوبة لمشاريع المدينة فقد كان متفرِّداً في تحويل أيِّ مناسبةٍ وطنيَّةٍ إلى احتفاءٍ ينتهي بمشروعٍ يبقى وينفع الناس بدلاً من احتفاليَّةٍ تنتهي في وقتها.. الأمر الذي ترك للرياض مشاريع تباهي بها. إنَّها ثقافة اختطَّها وحافظ عليها حفظه الله، حيث تعوَّدت الرياض الاحتفاء بقادتها ورموزها، وتميَّزت بترجمة تلك الاحتفاءات إلى مشروعاتٍ خلاَّقة تفيد وتبقى.
كان من تلك المشاريع المرتبطة بمناسباتٍ، مكتبة الملك فهد الوطنيَّة في مناسبة بيعة الملك فهد، مركز الملك عبدالعزيز التاريخي في مناسبة المئويَّة، جامعة الأمير سلطان في مناسبة الاحتفاء بعودة الأمير سلطان من رحلته العلاجيَّة، وغيرها كثيرٌ مثل مركز الملك سلمان الاجتماعي، متنزه الملك عبدالله بالملز، وحدائق الملك عبدالله العالميَّة، ومتنزه الملك سلمان في بنبان، وواحة الملك سلمان للعلوم.. إنه نهجٌ سلمانيٌّ تنمويٌّ فريد. وأذكر أنَّه وبعد إحدى مناسبات القمم التي لا تتوقَّف عن الرياض، تدخَّل حفظه الله شخصيَّاً من أجل تطوير القيود البلديَّة والتراخيص المهنيَّة والتمويلية من جهاتٍ أخرى على إنشاء الفنادق والمراكز والقاعات. وكانت تلك المناسبة أحد أسباب إقامة فندق الريتز ومركز الملك عبدالعزيز للمؤتمرات، بالإضافة لعدد كبير من المشاريع المشابهة.
«سلمان.. والرِّياض» ملحمة عشقٍ، ومسيرة تنميةٍ على مدى ستَّة عقودٍ.. حارب إدارياً وتنموياً لها ومن أجلها ولم يرض لها وله بأقلَّ من التميُّز عنواناً، والتفرُّد عملاً، والإنجاز مساراً، والشُّموخ هدفاً. كان رائداً في إدارته للمنطقة ومختلفاً في نهجه، وصانعاً لتاريخ نهضتها وتنميتها. كان في كلِّ يومٍ.. وفي كلِّ مهمَّةٍ يتولاَّها يكتب ويصنع تاريخاً مجيداً. كان ينافس حتى نفسه في سبيل الارتقاء بالرياض لتكون في القمَّة، وهاهو الآن وفي مدَّةٍ لا تزيد عن العامين يستمرُّ في ارتقائه بمكانة المملكة ليضعها أكثر في مكانها اللاَّئق والمُستحَق. ومَنْ غير سلمان يستطيع ذلك.. فهو رجلٌ ذو موسوعةٍ تاريخيَّة تستوعب كامل تاريخ المملكة القديم والحديث، والمحيط العربي والعالمي.. وملمٌّ بتفاصيل دقيقةٍ عن أحداثٍ سياسيَّة واجتماعيَّة كثيرة، وعارفٌّ وراصدٌ خبيرٌ للمتغيِّرات السياسيَّة منذ تأسيس الدولة السعوديَّة الأولى، وهذه ميزةٌ مكَّنته من التعامل بواقعيَّةٍ وحكمةٍ وسداد رأي مع المتغيرات سواء للوضع الرَّاهن أو للمستقبل.
نبارك لخادم الحرمين الشريفين ولسموُّ وليِّ عهده ولسمو وليِّ وليِّ العهد حفظهم الله، ما تمَّ من نجاحاتٍ تاريخيَّة غير مسبوقة، والتي زادت رفعة رؤوسنا كسعوديِّين فعلاً لا قولاً فقط. ونحمد الله أن يحصد خادم الحرمين الشريفين بعض ما غرسه لعقودٍ بأن رأى مدينته التي قاد ملحمة نهضتها وتطوَّرها وهي تباهي بما فيها من مشاريع وإمكانات عايشها كلُّ من حضر وشاهدها الملايين في العالم. ومع سلمان بن عبدالعزيز هذه البداية وبإذن الله وتوفيقه وكما كان العطاء للرياض المدينة والمنطقة سيستمر ذلك العطاء للمملكة العربية السعودية فوق هام سحب العزِّ والتألُّق والرَّخاء والزَّعامة.. ومن منَّا كسعوديين لم يغمره النُّوماس في الأيام الأخيرة نتيجة للأيام التاريخيَّة التي عشناها ونحن نرى مليكنا المفدى يؤكِّد ماضياً تليداً ويصنع تاريخاً مجيداً ويحلق بِنَا وبوطننا في مكانة المملكة الطبيعيَّة التي تستحقُّها وحريٌّ بها سلمان بن عبدالعزيز.