د.حامد الوردة الشراري
حدثت أول واقعة هجوم إلكتروني عام 1903م عندما اخترق شخص يدعى «ماسكيلين» أحدث التطورات في شفرة «مورس» اللا سلكية الآمنة التي اخترعها «فلمنج» وشريكه «ماركوني» وكانا يتفاخران بها، مستخدمًا نفس شفرة «مورس». خلال ما يزيد عن مائة عام، من اختراق «ماسكيلين» في بداية القرن الماضي إلى فيروس الفدية (Wannacry) الذي اجتاح العالم خلال الأيام الماضية، حدث تطور مذهل يفوق الخيال في علم الاتصالات وتقنية المعلومات والحاسوب.
فيروس الفدية يعد من أخطر الفيروسات وقد أحدث حالة من الرعب والاستنفار للأفراد وللحكومات ولكبار الشركات التي جل أعمالها وتعاملاتها إلكترونية، ولن يكون الأخير. باستخدام هذا الفيروس، القراصنة يمارسون أعلى درجات الابتزاز والإرهاب الإلكتروني، حيث إنهم يطلبوا فدية مالية تدفع بالبتكوين (bitcoin) مقابل ارجاع بيانات وملفات الضحية التي منع من الوصول لها، وتتضاعف الفدية بعد ثلاثة أيام وبعد أسبوع لا يمكن استرجاع الملفات كما في رسالة القراصنة التهديدية، والعملة التي طلب الدفع بها «البتكوين» هي عملة رقمية عابرة للقارات يتم تبادلها عبر شبكة الإنترنت، وقد أطلقت في منتصف الأزمة المالية لعامي 2008 - 2009 م، وهي عملة «مشفّرة» وتعد النموذج الأبرز في مستقبل العملات الرقمية.
هذه الحادثة تذكرنا بحادثة الهجوم على شركة «أرامكو السعودية» في أغسطس 2012 بواسطة فيروس «شامون» الذي انتشر كالنار في الحطب في شبكة «أرامكو» الحاسوبية وأصاب 30 ألف حاسب وعادت الشبكة لعملها الطبيعي بعد أسبوعين من العمل المتواصل. الهجوم لم يكن هدفه مجرد تدمير الحاسبات إنما الإضرار بالاقتصاد السعودي كون «أرامكو» أكبر منتجي النفط في العالم، والنفط هو المصدر الرئيس لدخلها.
إن الضرر الذي تحدثه هذه الهجمات سواء على الأفراد أو المؤسسات على مستوى العالم مكلف ومرعب، ففي السنوات الأخيرة تجاوزت التكلفة بسبب هذه الهجمات 400 مليار دولار سنويًا وهي في ازدياد.
هذه الهجمات نوع من الحروب المفتوحة، التي قد تقف خلفها منظمات ودول لأهداف سياسية وعسكرية واقتصادية، فالحرب السيبرانية (حرب الفضاء الإلكتروني، Cyberwar) تتجاوز الحروب التقليدية المباشرة المستخدمة فيها القوات المسلحة بكافة أفرعها البرية والبحرية والجوية، وهي حروب ميدانها الفضاء الإلكتروني لا تنطبق عليها قوانين وأعراف الحروب التقليدية، ولا تقيدها السيادة الطبيعية (الحدود السياسية) للدول. هذه الهجمات من الصعوبة التنبؤ بوقت حدوثها ومكان حدوثها وحجم ضررها، فهي مستمرة بل تتزايد وتشتد شراستها وقد تهدف لضرب مفاصل الدول الاقتصادية والتنموية كمنظومة الاتصالات والكهرباء والمياه والبنوك وقواعد البيانات الوطنية... الخ في دون إنذار مسبق، وهذا يتطلب الاستعداد الدائم وبصفة مستمرة. لذا، عمدت بعض الدول إلى تطوير إستراتيجيات إلكترونية دفاعية وهجومية وبنية تحتية رقمية آمنة، مما مكنها من التقليل من ضرر الهجمات على منظوماتها وشبكاتها الإلكترونية الوطنية.
بعض التقارير والدراسات الدولية المتخصصة تُشير إلى أن المملكة من أكثر الدول عرضة لعمليات الاختراق والبرمجيات الخبيثة على مستوى العالم، وهي على دراية بأهمية تأمين الحماية للمعلومات وكذلك للبنية التحتية للشبكة المعلوماتية، وتبذل جهودًا للحد من تأثير الهجمات الإلكترونية، منها إنشاء مركز الأمن الإلكتروني مؤخرًا التابع لوزارة الداخلية الذي ما زال في بدايته ومن الممكن إعطاءؤه دورًا أكبر وسلطة أقوى من خلال تحويله إلى هيئة وربطه تنظيميًا بأعلى سلطة بالبلد. هذه الهجمات تزداد شراسة في ظل التوسع والنمو المتسارع في شبكة الإنترنت وتطبيقاتها حتى أصبحت من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها. هذه الشبكة وتطبيقاتها سيكون لها دور رئيس في كل جانب من جوانب «الرؤية 2030» وتحديدًا في الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، لذا، من المهم إقرار الاسترتيجية الوطنية لأمن المعلومات التي سبق أن أعدتها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات استجابة لقرار مجلس الوزراء رقم (82) وتاريخ 22 - 3 - 1431هـ، وأن تصبح الممارسات في الفضاء الإلكتروني ضمن الأدوار الرئيسة للسياسة الخارجية، وكذلك قد يكون من المناسب التفكير بإنشاء فرع جديد للقوات المسلحة للحروب «السيبرانية» بجانب الأفرع التقليدية للقوات المسلحة (البرية والبحرية والجوية) لحماية مقدرات ومكتسبات الوطن.