عماد المديفر
نقلة نوعية غير مسبوقة في مجال العلاقات والتعاون الدولي، نحو شراكة إستراتيجية سعودية خليجية عربية إسلامية - أمريكية متجددة في القرن الواحد والعشرين؛ هو ما شهدناه في الأيام القليلة الماضية.. بكل ما حمله ذلك من دلالات عميقة ومتنوعة ووازنة، سياسية ودينية وثقافية وأمنية واقتصادية وعسكرية.. عززت قوى الخير وأثقلت كفتها، ودحرت قوى الشر التي تضاءلت لحد بعيد قيمتها في ميزان القوى في المنطقة حتى أصبحت أوهن من بيت العنكبوت..
نجاح باهر إذن؛ أبدعته ونجحت في تحقيقه بكل فخر بلادنا المملكة العربية السعودية.. مهد العرب.. وقبلة المسلمين.. بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين المليك المفدى سلمان بن عبدالعزيز أيده الله وأعانه ونصره، وعضيديه، سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن نايف نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس مجلس الشئون السياسية والأمنية، وسمو سيدي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية.. بهدف الظفر بشرق أوسط ينعم بالسلام والأمان والنماء والازدهار.
لقد كان حضور فخامة الرئيس الأمريكي إلى الرياض في أولى زياراته الرسمية الخارجية.. ولقاؤه بالزعماء العرب والمسلمين في عاصمة العرب والمسلمين، الذين جاؤوا هم أيضاً من كل مكان، تلبية للدعوة الكريمة من مولاي خادم الحرمين، وبما أفرزته تلك القمم من تحقيق عملي للتنسيق المعمق والمشترك للجهود في دعم الخير والنماء ومكافحة الشر والإرهاب؛ هو حديث وسائل الإعلام العالمية قاطبة.. تماماً كما هو حديث الأوساط الدبلوماسية والسياسية.. حتى أن مسؤولاً صينياً رفيعاً علق على هذا الحدث بين الأوساط الدبلوماسية قائلاً بأنه لو كانت الصين هي الوجهة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي؛ لأخذ الإعلام الصيني يتحدث عن ذلك لأربع سنوات قادمة.. لقد كانت تلك القمم الثلاث، وتلك الزيارة -التي وصفها الرئيس الأمريكي بالتاريخية- صفعة، وتدمير حقيقي لأهداف تلك القوى الإرهابية الشريرة التي وقفت خلف أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي استهدفت فعلياً ضرب علاقات العرب والمسلمين بالغرب بل وبالعالم أجمع على وجه العموم، والعلاقات السعودية الأمريكية على وجه الخصوص، لما تشكله هذه الأخيرة بالذات من خطر حقيقي على مخططاتهم الشيطانية القائمة على الحقد ونشر الكراهية، إذ كشفت التحقيقات الأمريكية وحددت بالاسم من وقف خلف تلك الاعتداءات الإرهابية الجبانة.. وكيف تمت عملية استقطاب وحشر أكبر عدد ممكن من المتطرفين والإرهابيين الذين يحملون الجنسية السعودية، والزج بهم في تلك العملية الإجرامية المروعة ليشكلوا العدد الأكبر من المنفذين.. حيث وجدت جهات التحري والتحقيق والقضاء الأمريكي بأن «القاعدة وحزب الله وإيران» تحديدًا هم من كانوا وراء تلك الأحداث. وهو ما أكدته لاحقاً أيضاً تلك الوثائق والمراسلات التي وُجدت في وكر الإرهابي الإخواني الهالك الزعيم السابق للقاعدة، المجرم أسامة بن لادن.. في أبوت آباد.. والتي كشفت أيضاً تنسيقا متواصلاً وتعاوناً وعملاً تكاملياً بين القاعدة وطهران من جانب. وطهران وطالبان من جانب آخر.. ومن وراءهم العراب الشيطاني الأكبر.. التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.. والذي سبق وتحدثت عن دوره المحوري الخبيث في مقالة لي سابقة في صحيفتنا العريقة «الجزيرة» حملت عنوان «خطر أعظم من الإرهاب يهددنا في المملكة».. حيث عملت -ولا تزال تعمل- هذه القوى الشريرة مجتمعة لوسم الإسلام السني المعتدل بالتطرف وتوريطه بالكراهية والإرهاب.. والسعي الحيث لإبعاد الولايات المتحدة الأمريكية بالذات عن المنطقة.. وعزل دول المنطقة وفِي مقدمهم المملكة عن الحلفاء.
لقد رد الله كيد هؤلاء الخبثاء في نحرهم؛ لاسيما وقد أشاد فخامة الرئيس الأمريكي نفسه أثناء تلك القمم بجهود المملكة في التصدي للتنظيمات الإرهابية واستهدافها المملكة ودول العالم المتحضر المعتدل وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وإشارته بصريح العبارة إلى المحاولات التي وصفها بـ»الفاشلة» لتلك التنظيمات لإحداث شرخ في العلاقات بين البلدين. تلك التنظيمات التي تحركها وتوظفها وتدعمها كما أسلفت؛ إيران والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.. واللذين لن يدخرا جهداً بالطبع للإساءة لهذه الزيارة وهذه القمم التاريخية والتقليل من نتائجها.. ومحاولة حرفها عن مسارها.
لقد أكد فخامته على ضرورة التصدي لقوى الشر والإرهاب، وخاصة إيران، كونها تشكل الدولة المارقة الفعلية لهذا التنظيم الدولي، وتقف خلف إشعال الفتن الطائفية، وتدعم الإرهاب والميليشيات المسلحة وتوظفها لصالح تحقيق أهدافها الشيطانية.. وما تقوم به من أعمال شريرة تستهدف زعزعة استقرار المنطقة والعالم.. وأنه ينبغي الرفع من كفاءة التعاون الوثيق لضمان المحافظة على أمن المنطقة، وكذلك على الأمن البحري، لما له من أثر مباشر على عمليات تهريب السلاح وزعزعة أمن الدول، وعلى التجارة والاقتصاد الدولي، بما في ذلك حماية سلامة الملاحة في الممرات المائية الدولية المهمة وخاصة باب المندب ومضيق هرمز.. وضرورة القضاء على عملاء طهران في اليمن وفِي لبنان وفِي العراق وسوريا وسيناء.. أي فعلياً بتر أذرع اخطبوط نظام ملالي الشر والإرهاب في المنطقة.
اليوم؛ وضع الرئيس الأمريكي يده بيده العرب والمسلمين من عاصمة العرب والمسلمين.. الرياض.. الحليف الأول والأقدم والأسبق تاريخياً وعملياً للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.. وضع يده بيدنا كشريك وحليف إستراتيجي في وجه قوى الشر والإرهاب.. ولتعزيز الأمن والاستقرار، والنماء والرخاء والازدهار، وكل ما من شأنه أن يعود بالخير على شعوب المنطقة وعلى البلدين الصديقين والعالم أجمع.. وهو ما بدأ بالفعل تحقيقه وبشكل عملي من خلال العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي جرى توقيعها، ومن خلال تشكيل المجموعة الإستراتجية التشاورية المشتركة بين البلدين الصديقين لرسم وتفعيل وتطوير ودعم المصالح المشتركة والعمل معاً على مجابهة المهددات الأمنية وتعزيز التعاون الدفاعي.
ولست أجد ما أختم به بأفضل مما قاله معالي الأستاذ خالد التويجري : »كتابة التاريخ قولاً شيء. وصناعته شيءٌ آخر. وما يحدث اليوم في الرياض ترسيخاً لصناعة التاريخ من ملك وقائد قال ففعل، وفعل فصنع مرحلة تاريخية».
إلى اللقاء،،،