محمد سليمان العنقري
قال معالي وزير المالية محمد الجدعان حسب ما نقلت رويترز «إن وتيرة ضبط موازنة المملكة مناسبة بشكل عام لكن السلطات قد تبطئ الوتيرة قليلاً تماشيًا مع توصيات صندوق النقد الدولي»، فصندوق النقد الذي أنهى مشاورات المادة الرابعة مع المملكة قبل أيام أوصى بعدم الحاجة للاستعجال بتحقيق ميزانية متوازنة بعد عامين من الآن مستشهدًا بالمركز المالي القوي وانخفاض الدين العام للمملكة الذي يعزز قدرة الاقتصاد على تحمل بقاء أسعار النفط بهذه المستويات لسنوات أطول عمّا تحدد ببرنامج التوازن المالي حتى 2020 م.
فالسياسات الاقتصادية التقشفية التي اتخذت من باب التحوط بفترة عدم وضوح اتجاه أسعار النفط الهابطة بحدة كان لها ما يبررها قبل أن يتم اتفاق خفض الإنتاج من أوبك ومنتجين خارجها لتعود الأسعار للارتفاع وتستقر فوق مستوى 50 دولارًا للبرميل منذ ستة أشهر تقريبًا، لكن ما قصده الصندوق يتعلق بإستراتيجية ترتبط بالرؤية وبرامج التحول للوصول لها وعلى رأسها برنامج التوازن المالي أي أن الصندوق وعلى غير عادته ينصح بعدم التسرع برفع أسعار الدعم والرسوم المختلفة لما لذلك من تأثير سلبي محتمل على النمو، وبمعنى مبسط فإن الصندوق كأنه يحذر من دخول الاقتصاد المحلي بركود قد لا يكون الخروج منه سريعًا وسيكلف الكثير حين شدد بتوصياته على دعم القطاع الخاص وكذلك توليد فرص العمل حيث ذكّر بأهمية «بذل مزيد من الجهود لكي تتوافر للسياسات الاقتصادية أقصى فرص التنفيذ الناجح، من خلال الدقة في تحديد أولوياتها وتسلسلها وتنسيقها والإفصاح عنها».
فالصندوق لم يأت بجديد سوى أنه فاجأنا بنصيحته إبطاء تنفيذ الهيكلة الاقتصادية التي سترفع إيرادات الخزينة لكنها ستضغط على النمو الاقتصادي بشدة، وبنفس الوقت لا بد من التذكير بأن هذه المخاوف قد ذكرت بآراء ودراسات محلية مستقلة عديدة نشرت على مدار العامين الماضيين لو أخذ بها كان يمكن أن تقلل مما خلفه التراجع الحاد بالنمو الاقتصادي من تأثيرات سلبية وارتفاع بنسبة البطالة إلى 12.3 في المائة من 11.6 في المائة بخلاف حالات التعثر بالقطاع الخاص عن سداد ديونه وحجم المخصصات الذي ارتفع من قبل البنوك بل لم نشاهد تحقيق بعض البنوك لخسائر فصلية منذ سنوات طويلة وهو ما حصل بالربع الرابع من العام الماضي نتيجة لارتفاع المخصصات لمقابلة تعثر سداد ديون منشآت خاصة.
إن التلميح للأخذ بنصائح الصندوق يفرض سؤالاً مهمًا، هل نفتقر لمراكز دراسات اقتصادية ومالية لدى الجهات المختصة كوزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط وكذلك التجارة والاستثمار حتى ننتظر نصائح صندوق النقد!؟ فما رشح من تصريحات لمسؤولين كبار بالشأن الاقتصادي حول تعاطيهم مع نصائح صندوق النقد يجعلنا نطرح عليهم أيضًا سؤالاً هل ما يتم الحديث عنه من أهمية الخصخصة وبقية الخطط التي يتم العمل عليها أخذت حقها بالدراسة والتقييم قبل تنفيذها أم أنها تحتاج لآراء عميقة بالتحليل تأتي من جهات محلية عديدة وتأخذ وقتها المستحق قبل الشروع بالتنفيذ لأن مثل هذه القرارات إذا بدأ العمل بها فلا يمكن العودة عنها لاعتبارات تنظيمية وكذلك كسمعة عن جاذبية الاستثمار محليًا، أم ستنتظرون رأي صندوق النقد؟
فلا بد أيضًا من التأمل بقدرة الاقتصاد بمكوناته ومحركاته على التحول بمدة 14 عامًا حتى عام 2030 م ليكون بوضع لا يتأثر بسعر النفط مهما انخفض فمن أين ستأتي الإيرادات التي ستغطي المصروفات العامة؟ فلا يمكن أن تحقق المشروعات الاستثمارية بالقطاعات المستهدفة كالتعدين والطاقة وكذلك الخصخصة وغيرها ما يمكن أن يغني عن إيرادات النفط بشكل كامل ولذلك فإن ما ذكر على لسان معالي وزير المالية بمقابلة تلفزيونية عن أمله بأن نصل لمرحلة لا نتأثر بسعر النفط حتى لو وصل إلى «صفر» لن يتحقق بسهولة بل يبدو مستحيلاً إذا ما أخذناه بالسياق العام لتطور الاقتصاد المتوازن وقدرة القطاع الخاص على لعب دور القائد بالنمو فجميعنا نشارك الوزير أمنيته لكن ذلك ليس بالأمر السهل وأي رفع للإيرادات من رسوم أو ضرائب بسرعة قد يؤدي لآثار سلبية عكسية ستكلف الاقتصاد كثيرًا للخروج من آثارها.
كما أن النفط ليس هو المشكلة أيًا كان سعره بل التحدي كان بكفاءة الاقتصاد والإنفاق وتوجهاته فلماذا يفهم دائمًا وكأننا نريد التخلص من لصق قوة اقتصادنا بالنفط فهو سلعة إستراتيجية كانت وما زالت وستبقى بل إننا نضخ استثمارات هائلة بهذه الصناعة فقبل أيام وقعت أرامكو عقود استثمار وتطوير بمبلغ 50 مليار دولار مع شركات أمريكية فالنفط هو ركيزة الاقتصاد الأولى فوصوله إلى صفر يعني أننا نهدر أموال باستثمارات النفط ويقلل من أهمية وقيمة طرح أرامكو للاكتتاب العام!! فالدول الكبرى المستوردة للنفط عبرت عن مخاوفها من أن تراجع الاستثمار بهذا المصدر الحيوي للطاقة إذا استمر لسنوات قليلة قادمة قد يؤدي لارتفاع حاد بأسعار النفط غير متوقع.
توصيات صندوق النقد المشجعة على زيادة المدة الزمنية للإصلاحات الهيكلية بالإيرادات والدعم والنفقات لم تتجاوز آراء محلية مستقلة سبقته بفترة طويلة وبنفس الوقت فإن الوصول لتوازن الميزانية لا يعد أولوية تسبق عودة النمو القوي للاقتصاد وزيادة الطاقة الاستيعابية فيه ورفع معدلات التوظيف فكل هذه العوامل هي ما يسمح برفع الإيرادات العامة بتوازن مريح للاقتصاد وللخزينة العامة ويسهم بالوصول لأهداف الرؤية بتقليل الآثار السلبية التي تعد طبيعية مع أي خطط تحول فالقرار الجيد هو الذي يقلل من السلبيات، ولذلك فإن تنفيذ الخطط والبرامج الخاصة بالتحول لن يضرها لو امتدت لسنوات أطول مبنية على القيام باختبارات تحمل للاقتصاد بكافة أطرافه للوصول لأفضل مدة زمنية لهيكلة الدعم ورفع الإيرادات بالتزامن مع رفع معدلات النمو الاقتصادي وخفض البطالة أهم مؤشرات تقييم الخطط الاقتصادية.