عروبة المنيف
إن الوتيرة المتسارعة في الانفتاح العالمي، أسهم بشكل أو بآخر في انفتاح ذهني وثقافي، فما كان مقبولاً ومستساغاً منذ زمن قليل، أصبح الآن لا يطاق، وبالتالي أصبح من الصعوبة إقناع الجيل الحالي، جيل السوشيال ميديا، بقناعات ومعتقدات وأفكار أصبحت بالنسبة لهم غير مواكبة للعصر، وهذا نتاج طبيعي لعصر الانفتاح الإعلامي والثقافي، ما يستدعي سرعة التحرك لمواكبة تلك التغيرات المجتمعية المصاحبة والمتسارعة، فنحن جزء من هذا الكون الذي أصبح بلا حدود وبلا أسوار، عدا سقف السماء.
برزت -مؤخراً- على السطح لدينا ظواهر اجتماعية غير مألوفة وغير مقبولة بالنسبة لمجتمع محافظ كالمجتمع السعودي، نتيجة هذا الانفتاح العولمي، حتى باتت مؤرقة للجميع، من تلك الظواهر، «ظاهرة هروب الفتيات من أسرهن لخارج المملكة»، وعلى الرغم من سريان قانون حظر السفر للنساء من دون إذن الولي، تجد أولئك الفتيات طريقهن للهروب وطلب اللجوء في الخارج!
من دون أدنى شك، نجد أن لدى الهاربات أسبابهن التي أدت بهن إلى اتخاذ هكذا قرار، الذي يكون في الغالب بسبب سوء تقدير الأهل، غير القادرين على استيعاب المرحلة التي تمر بها بناتهن نتيجة لتلك التغيرات العالمية، ما أحدث فجوة كبيرة بين تفكير وتوجهات الأهالي وبين بناتهم، تلك الفجوة من المتوقع لها أن تتسع ما لم يكن هناك تدخلات من قبل الدولة لتضييقها.
إن تدخل الدولة ووضع القوانين الكفيلة بفسح مجال أوسع من الحريات للفتيات ورفع القيود التي تعيق تحركاتهن قد بدأت، فقد صدرت -مؤخراً- قرارات ملكية تاريخية تمنح النساء الحرية في إنجاز معاملاتهن في الأجهزة الحكومية»، و»نأمل بالمزيد».
ومن الضروري أيضاً مد جسور التواصل بين الفتيات والأجهزة المعنية بالدولة كالشؤون الاجتماعية، ومجلس الأسرة، وبرنامج الأمان والشرطة وغيرها من خلال مد خط ساخن للفتيات، يهدف لطلب الاستشارة أو المساعدة للفتيات وإنقاذهن من سوء المعاملة التي يتعرضن لها من قبل أسرهن قبل أن يستفحل الأمر لديهن ويلجأن للهروب ليقعن في فخ أكبر، فيرتكبن حماقات تكلفهن مستقبلهن وحياتهن وسمعتهن.
فالهروب لدول أخرى بقصد اللجوء ليس حلاً، وفي حالة هروب الفتاة، على الدولة أن تنأى بنفسها عن التدخل، فهذا شأن عائلي، والأسرة هي المسؤولة عما آلت إليه أوضاع بناتهن، فالدولة مسؤوليتها سن القوانين والأنظمة الكفيلة بحماية الفتيات من التعسف قبل قرار هروبهن، بتمكينهن في أوطانهن، وحفظ حقوقهن، فإن حصل وهربت الفتاة بعد ذلك فالدولة غير مسؤولة بمخاطبة دولة اللجوء أو بتعقب الفتاة بواسطة أي جهة حكومية وإعادتها لأهلها، فالقضية إلى هنا تصبح قضية عائلية بحتة.
هروب الفتيات طلباً للجوء في الخارج ظاهرة جديدة على مجتمعنا لكنها غير مقبولة، وعدم أخذ السبل الوقائية لحماية الفتيات من هذا الوباء الخطير الذي يكلفهن وأسرهن الكثير، سيستفحل، فالعدوى منتشرة والتحصينات متوافرة وبأيدٍ صنّاع القرار في الدولة، وعلى الأسر الاهتمام وحسن المعاملة بفلذات أكبادهن، أمهات المستقبل.