م. خالد إبراهيم الحجي
إن التصنيع في أنحاء دول العالم في حالة نمو دائم وتطور مستمر، وتشكل المنتجات المصنعة المختلفة نسبة 70 في المائة تقريباً من إجمالي أنواع البضائع المصدرة بين دول العالم، بحسب «البنك الدولي»، والتصدير عنصر مهم جداً في الاقتصاد الوطني ويحفز الأنشطة الاقتصادية المختلفة بخلق الوظائف والإنتاج والتجارة العالمية وتحقيق الإيرادات.. والتصنيع ليس مجالاً متجانساً وإنما يتكون من قطاعات مختلفة وكل قطاع منها يؤكد ثمرة النجاح ويمثل نسبة من الاقتصاد الوطني في الدولة. والجيل التالي من الكيانات الصناعية الناجحة والمتطورة هي التي تقلل من استخدام الطاقات العمالية التقليدية، وتزيد من استخدام مواهب أبطال مجالات التصنيع المختلفة التي تعتمد في صناعاتها وابتكاراتها على الطاقات الذهنية المتميزة والعقلية المبدعة. ويفيد «البنك الدولي» بأن الابتكارات في قطاعات التصنيع المختلفة تأخذ حصة الأسد عالمياً حيث تبلغ 77 في المائة من مجموع الابتكارات المختلفة في دول العالم، والنسبة الباقية 23 في المائة تمثل الابتكارات التطبيقية الغير متصلة بالتصنيع والاكتشافات العلمية النظرية.. ومستقبل التصنيع القادم يتجه إلى الأتمتة والمكننة والروبوتات؛ أي استبدال القوة الجسدية والعضلية التقليدية بالقوة الميكانيكية التي يتم التحكم بها عن بعد أو الذاتية الحركة (الأتوماتيكية) المبرمجة حاسوبياً. وفي السنوات المقبلة ستزداد الحاجة إلى تخصصات العلوم التطبيقية التكنولوجية الحديثة إلى ضعف الوظائف الأخرى في مجالات التصنيع المختلفة. ونحن لا نستطيع أن نتنبأ بالمستقبل ولكن يجب أن نهيئ أبناءنا له، مع الأخذ بالمعايير العلمية الحديثة في وضع مناهج العلوم التطبيقية التكنولوجية الحديثة لتأهيل أبنائنا ومنحهم الأدوات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل بنجاح. والمعايير العلمية الحديثة ليست حزمة من الفرضيات أو النظريات فقط؛ وإنما ترتبط بطريقتنا في التفكير والتعليم وستؤثر على جميع مكونات نظام التعليم.. وتأسيس المعايير العلمية التكنولوجية الحديثة وتطبيقها يبدأ من وزارة التربية والتعليم من قبل خبراء العلوم التطبيقية في التعليم العالي، وخبراء التقنية والتصنيع في جميع المجالات المختلفة في عملية تعاونية متآزرة ومترابطة بقيادة وزارة التربية والتعليم. واليوم نحن في سباق مستمر مع الزمن في ظل سرعة تطور العلوم التطبيقية التكنولوجية الحديثة، وأصبحت حاجتنا ملحإلى تطبيق معايير علمية جديدة في تربية الجيل المستقبل كالتالي:
(1): استغلال غريزة الأطفال الفطرية في حب البحث والتقصي والاكتشاف، وفهم عقلياتهم ومعرفة ميولهم واتجاهاتهم، وتوظيف مواهبهم في بناء عقلياتهم العلمية لخدمة المجتمع في المستقبل.
(2): وضع مناهج علمية حديثة، وتطوير التعليم بما يناسب تقنيات الوقت الحاضر لتمكين الطلاب من إدراك المعارف الأساسية، وفهم العلوم التطبيقية التكنولوجية الحديثة لمواكبة متطلبات التقدم والتطور.
(3): الاهتمام بإنشاء المختبرات الحديثة وتفعيل استخداماتها بأقصى قدر ممكن واعتبارها صورة مصغرة من مراكز البحوث العلمية؛ لأن تدريس العلوم التطبيقية التكنولوجية الحديثة يحتاج إلى إجراء التجارب العلمية والتطبيق العملي فيها.
(4): تشجيع طلاب الجامعات والدراسات العليا للإقبال على البحث العلمي في مجالات العلوم الفنية والتطبيقية والتقنية لتلبية حاجة أصحابَ المال الاستثماري من رواد الأعمال الصناعية والتجارية؛ لأنهم يشتكون دائماً من نقص المستويات العالية الماهرة في سوق العمل.. ووضع مناهج دراسية متطورة بمعايير علمية حديثة سيحقق الفوائد التالية: أولاً: تأهيل طلاب المراحل الثانوية للنجاح والتفوق بشكل أفضل في المراحل الجامعية والتخرج بخلفية علمية قوية. ثانياً: تأصيل الفكر العلمي عند الطلاب والخريجين والتركيز على فهم المحتويات العلمية مع تطبيقاتها العملية على أرض الواقع؛ فيُخْرج المواهب المتنوعة والأفكار العلمية المختلفة إلى حيز الوجود. ثالثاً: تدريب الخريجين على ممارسة أعمالهم المهنية بعد التخرج بمهارات فائقة؛ تجذب رجال الأعمال وأصحاب الاستثمار إلى توظيفهم في مجالات التصنيع والاستثمار.. وتأسيس المعايير العلمية الحديثة بالمقارنة والقياس مع المعايير العالمية للدول الصناعية المتقدمة التي حقق طلابها تفوقاً ملموساً فيها، ووضعها في تدريس العلوم التطبيقية التكنولوجية سيمنح أبناءنا الطاقات الذهنية المتميزة والعقلية المبدعة القادرة على التنافسية في أسواق الصناعة والاستثمارات العالمية.
الخلاصة:
إن المعايير العلمية القديمة التي مهدت طريق النجاح للجيل السابق غير كافية اليوم لمواجهة تحديات المستقبل، ويلزم تطويرها لتمهد طريق الإبداع والابتكار للجيل التالي.