خالد بن حمد المالك
كل التفاصيل، بالأسلوب، واختيار العبارات، وانتقاء الموضوعات، والصوت، والحركة، والإشارات، والنظرات، وما إلى ذلك من تناغم بين الكلمات وإلقائها، يمكن أن تختصر انطباعنا عن أن الملك والرئيس كانا في خطابيهما زعيمان عبّرا بصدق وشجاعة عن كل ما خطر في بال كل منا.
* *
تفاصيل كثيرة، وعناوين مهمة، وتوقيت صحيح، ومكان مناسب، وأسباب مهمة، اقتضاها هذا الموقف الشجاع من سلمان وترامب، بعضها نحن كمتابعين على علم بها، وأخرى كثيرة ومهمة لا يعرف بها وعنها إلا الملك والرئيس والقريبون جداً منهما، ما جعل نبرة صوتهما عالية، وهما يتحدثان في القمة العربية الإسلامية الأمريكية، أمام القادة، وحيث تنقل شاشات التلفزة الخطابين إلى دول وشعوب العالم.
* *
حضرت مع من حضر احتفالية الرياض بهذا الحدث الهام، ولم يشغلني المكان المبهر بتصميمه وهندسته، والجمال الذي اكتسى كل زاوية فيه، عن الإصغاء، والاستماع، والاستمتاع، والانصراف إلى خطابيهما، فقد كانا من الوضوح في تحديد مواقفهما من الحالة التي تمر بها منطقتنا تحديداً، والعالم كله، ما شجّع، وحفّز، على أن أكون كما الحضور المستمعين مبهوراً باللغة والأسلوب، والموقف، والشجاعة، والصرامة، والبناء في هذا النهج على ما تم التخطيط له مستقبلاً لإنقاذ شعوب العالم، مما يدبر لها في الليالي المظلمة، ممن لا يتلذّذ من الإرهابيين إلا بمص دماء الأبرياء.
* *
قال الملك والرئيس قولهما، وحددا رؤيتهما، ووضعا أصبعيهما على الجرح النازف، بلا مهادنة، وبلا مجاملة، ومن غير تسامح مع الشياطين الذين يريدون أن يغرقوا الشعوب بالدماء، ويضعوا العالم على كف عفريت، ويقضوا على كل جميل في هذا الكون الواسع، دون أن يجدوا موقفاً حازماً بمثل ما قاله سلمان وترامب في خطابيهما، وصمما عليه، بالقول الآن، والفعل لاحقاً، والذي من المؤكد أنه أرعبهم وأثار فزعهم، وقضَّ مضاجعهم، بما لا مجال أمامهم إلا أن يعيدوا النظر في حساباتهم، ويفكروا جيداً وكثيراً بما سيكون عليه مصيرهم.
* *
تحدثا عن إيران، رأس الأفعى في كل مشاكل العالم، ومصدر التطرف، وملاذ المتطرفين، الدولة المارقة التي تغذي الإخلال بالاستقرار في الدول المجاورة لها، وقالا عنها ما فهمه المعممون الجهلة في إيران وغير إيران، وكان نصيب من والاها من العملاء، حزب الله، والحوثي، ونظام بشار، والوضع في العراق، حاضرة في خطابيهما، وموضع اهتمامهما، ولكن بتفاوت في التركيز، وإلقاء الضوء، وفقاً لدور كل منهم، وخطورته، كلاعب في ساحة الإرهاب والتطرف، وعدم الاستقرار.
* *
مضى الوقت سريعاً، بإثارته، وأجوائه، رغم الفترة الزمنية الطويلة التي استغرقها كل خطاب، للرئيس والملك، بسبب موضوعيتهما، والتركيز على ما كان يشغل أذهان الدول وشعوبها في منطقتنا وفي العالم، فكان الإصغاء، والتركيز على سماع الخطابين، والانطباع الإيجابي الذي ساد آراء الحضور بعد كل خطاب، وكذلك كانت العلامة الفارقة والمهمة، في النظرة إلى هذا الحدث العالمي المهم وبما توُج به بأهم خطابين، حيث كان خطاباهما مسك الختام لآخر ثلاث قمم مهمة عقدت بالرياض بحضور الرئيس ترامب والملك سلمان وأكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، ممثلة أغلبيتها بملوكها وأمرائها وقادتها.
* *
كثير من الكلام يمكن أن يُقال عن زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للمملكة، ومثله لزيارة الزعماء الذين شاركوا في القمم، وما مثّله هذا الحدث السياسي والأمني الأول من نوعه من اختراق وهزيمة لكل ما يبيّت لهذه الأمة من شر، وما أعلن عنه إعلان الرياض من قرارات حاسمة لصيانة الأمن والسلام والاستقرار في العالم، وما توصلت إليه المملكة وأمريكا من اتفاقيات غاية في الأهمية، لكونها ترسم خطى جديدة لمستقبل العلاقات الثنائية التاريخية بين الدولتين، وهناك الكثير بتفاصيله وعناوينه، وما قيل من آراء حوله، كان حديث وسائل الإعلام ولا يزال، نسبة لأهميته، وتأثيره، وما هو متوقّع بعد تنفيذ هذه الاتفاقيات من ملامسة لتطلعات الشعبين الصديقين.
* *
ولابد من القول بأن السلام يبدأ من المملكة، من هذه الأرض المقدسة كما قال الرئيس ترامب، بينما الإرهاب مصدره طهران، فإيران - كما قال الملك - رأس حربة الإرهاب، كما أنها لا غيرها هي من تنشر الدمار والفوضى في المنطقة، وهي من أجج الصراع الطائفي، وهذا القول ليس قولي، وإنما قول الرئيس الأمريكي ترامب، فيما كان قول وزير الخارجية الأمريكي ريكس، أن على إيران أن تكف نواياها الشريرة عن جيرانها، يضيف الرئيس الأمريكي أن إيران تموّل الأسلحة، وتدرّب الإرهابيين، والميليشيات في المنطقة.
* *
الرئيس الأمريكي في خطابه أشار بالتأييد إلى موقف المملكة ضد الحوثيين في اليمن، وأن هذه القمة بداية نهاية من يمارس التطرف والإرهاب، وبداية السلام في الشرق الأوسط، وأن افتتاح المركز العالمي لمكافحة التطرف والأيديولوجية المتطرفة (اعتدال) إنما يعني أن العالم يرسم اليوم التاريخ من جديد، فيما قال خادم الحرمين الشريفين بأن المملكة ساعدت الكثير من الدول في كشف العمليات الإرهابية، وأننا عازمون على القضاء على تنظيم داعش، وأن مسؤولية الجميع الوقوف ضد الإرهاب والتطرف، وأن اللقاء بالرئيس ترامب له دلالاته، ودولنا شريكة في محاربة الإرهاب، مؤكداً على تقدير المملكة للشعب الإيراني، وأننا لا نأخذه بجريرة نظامه.
* *
هذا بعض ما يمكن أن يُقال عن هذا الحدث السياسي الأمني المهم، وهناك ما هو مهم أيضاً، ويستحق أن يكتب عنه، ويُقال فيه تعليقاً، وتحليلاً، وإبداء رأي حوله، وسيكون لفترة زمنية طويلة، موضوعاً رئيساً للأقلام، واللقاءات، والحوارات، والندوات، فما حدث، وما تم الاتفاق عليه، وما سيتم تنفيذه، أكبر وأهم من أن تحتويه كلمة عابرة، أو رأي سريع، أو تناول إعلامي عابر ومحدود.