إبراهيم عبدالله العمار
جسمك يتحمل أشياء كثيرة. للجسم قدرة على مقاومة وتحمُّل الجراثيم والأمراض والكدمات وتقلبات الحرارة وغير ذلك. لكن هناك شئ لا يحبه الجسم: الارتفاعات الشاهقة.
الجسم لا يستطيع تحمل ارتفاعات عالية جداً لأسباب كثيرة، منها الضغط الجوي الذي يعسّر تنفسّك كلما صعدت، ومتسلقو الجبال يدركون هذه ويعرفون مشقة التنفس في الأعالي، حتى إن من يريد تسلق القمم العالية ومنها إفرست يَلْزَمه التأقلم أولاً لعدة أسابيع في ارتفاعات عالية، وإلا تضررت رئتاه، وإفرست ترتفع قرابة 9 كم عن سطح الأرض وحتى المتسلق المحترف لا يكاد يقدر أن يتنفس هناك، ولا أحد يستطيع تجاوز 9 كم عن سطح الأرض إلا اعتماداً على الأجهزة الحديثة، وهذه تراها في الطائرة مثلاً، وهنا عليك أن تعرف أن انخفاض الضغط في الارتفاعات هو الذي يسبب المشاكل، ومما تعلمناه أن هناك حلين للتعامل مع نقص الأكسجين: الأول معادلة الضغط الجوي -كما في الطائرات-، والآخر زيادة كمية الأكسجين. إذا سافرتَ فأنت تطير على ارتفاع 10 كم في الغالب، لكن لم يمكِّنك من هذا إلا أن الطائرة تعمل كأنبوبة مضغوطة، وهذا الضغط المتوازن هو الذي يجعلك تتنفس بشكل طبيعي، وتشاهد شريط السلامة المعروف في الطائرات الذي يعلمك كيف تتصرف وقت الطوارئ، منها نصيحة (أنانية فيما يبدو!) تقول إن في حالة الطوارئ فإن أقنعة الأكسجين ستنزل آلياً وإذا كان معك طفل فعليك أن تثبّت قناعك أولاً ثم تضع على الطفل قناعه.
مرت عليك كثيراً أليس كذلك؟ لماذا أنت قبل الطفل؟ هذه لها سبب جيد، فلو أن الضغط زال والشخص وطفله في ذلك الارتفاع العظيم فإن لديه فقط 30 ثانية ليتنفس الأكسجين وإلا شلّه الارتفاع وشل الطفل، لذلك يجب أن تضعه أولاً لكي تكون بمأمن ولتقدر أن تضعه على طفلك، وإلا خاطرتَ بحياتك وحياته. أما إذا لم يمكن موازنة الضغط كما في الطائرات المدنية فلا بد من زيادة الأكسجين، ولهذا فإن الطائرات التي لا يوجد فيها موازنة ضغط -مثل طيارات حربية كثيرة- تجد فيها قناع الأكسجين، ولتعرف خطورة الارتفاعات العالية فيكفيك أن تعرف أن طياري قاذفات القنابل في الحرب العالمية الثانية كانوا يَصلون لارتفاعات تبلغ 12 كم، وفي هذه المرحلة فإن حفظ الطيار من الموت يعتمد تماماً على مدى الأكسجين الذي يوصله له قناعه، وأهمية هذا لا تقل عن أهمية تفادي قذائف أرض-جو أو صواريخ طيارات العدو، وقد قُتِل طيارون بسبب مشاكل الأكسجين فقط لا بسبب العدو.
صار في الطائرات النفاثة الحديثة أقنعة أكسجين أفضل، تَصنع قفلاً هوائياً مختوماً حول الوجه ويضخ الأكسجين بقوة إلى الرئتين، ومن يضع القناع هذا يشعر كمن يُخرج رأسه من نافذة سيارة مسرعة ويحاول تنفس الهواء العاصف! هدف هذا القناع أن ينفخ رئتك مثل البالون ويزيد ضغطها الداخلي أكثر من الضغط المحيط وهذا يتيح تعبئة هيموغلوبين الدم بالأكسجين مما يحفظ الحياة، وحتى هذا له حدود.
الآن لن تستنكر إذا قالت لك المضيفة أن تضع القناع على نفسك أولاً!