فضل بن سعد البوعينين
نجحت المملكة في عقد ثلاث قمم عالمية بمشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اختار المملكة لتكون محطته الأولى؛ يخاطب من خلالها العالمان الإسلامي والعربي؛ ويناقش مع قادة دولهما أوضاع المنطقة وقضاياها العالقة وما تعانيه من تدخلات خارجية تسببت في زعزعة أمنها وتمدد التنظيمات الإرهابية على مساحة شاسعة من أراضيها.
ركزت القمة السعودية الأمريكية على القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية؛ وتمخض عنها كثير من الاتفاقيات المهمة؛ المحققة لمصلحة البلدين. وعلى الرغم من أهمية جملة الاتفاقيات الموقعة التي تربو على 30 اتفاقية نوعية وزعت على قطاعات الاقتصاد المختلفة؛ تبقى الرؤية الإستراتيجية المشتركة الأكثر أهميةً وتنظيمًا للعلاقات المستقبلية؛ ما يعني أن الاتفاقيات الاقتصادية والشراكات التجارية إنما وقعت وفق رؤية إستراتيجية شمولية منضبطة تحقق المصالح المشتركة وتعتمد الاستدامة أساسًا لها. الربط بين الأمن والاستقرار والتنمية أمر غاية في الأهمية؛ لذا جاء في الإستراتيجية تأكيد المملكة والولايات المتحدة الأمريكية على «رسم مسار محدد نحو شرق أوسط ينعم بالسلام، حيث التنمية الاقتصادية، والتجارة، والدبلوماسية سمات العمل الإقليمي والعالمي». لا يمكن لأي اقتصاد؛ مهما بلغ حجمه؛ أن ينمو ويزدهر بمعزل عن الأمن الذي يشكل القاعدة المحفزة لضخ الاستثمارات وخلق المشروعات وتحقيق التنمية المستدامة.
اعتمدت الرؤية على العلاقات التاريخية التي يمكن أن تؤسس لمزيد من الثقة؛ متى ما بنيت على المصالح المشتركة؛ وأديرت بطريقة احترافية تأخذ في الحسبان جميع المؤثرات الخارجية؛ والمفاهيم؛ والاحتياجات الخاصة. أحدثت السنوات الثماني الماضية شرخًا في الثقة بالحليف الأمريكي الذي إنحاز لإيران على الرغم من كونها «رأس حربة الإرهاب» ما تسبب في زعزعة أمن واستقرار المنطقة. لم تأخذ الرئاسة الأمريكية السابقة بوجهة النظر السعودية؛ ونصائحها لتجنيب المنطقة ويلات الدمار؛ ولم تقتنع بالأدوات الواجب استغلالها لوقف التدخلات الإيرانية ما تسبب في فوضى عارمة؛ بات الرئيس ترامب مسؤولاً عن معالجتها بالشراكة مع دول المنطقة وفي مقدمها المملكة.
نصت «الرؤية» السعودية الأمريكية على «تشكيل مجموعة إستراتيجية تشاورية مشتركة لرسم مسار الشراكة الإستراتيجية» والاشتراك في التصدي لتهديدات المصالح المشتركة؛ والتصدي للأعداء المشتركين و»رسم مسار نحو السلام والازدهار».
أجزم أن صياغة الشراكة الإستراتيجية بشفافية ووضوح؛ اعتمادًا على المصالح المتبادلة؛ قادرة على وضع أطر العلاقات المستقبلية وفق ضوابط محددة تعتمد الاتفاقيات أساسًا لها؛ ما يحقق لها الاستدامة والموثوقية التي نبحث عنها جميعًا. يبدو أن هناك إعادة هيكلة للشراكات الاقتصادية السعودية واستثمار العقود التجارية والصفقات المهمة لمد جسور المصالح المتبادلة من خلالها.
فصفقات الأسلحة التي بلغ حجمها 110 مليارات دولار رُبطت بجانب مهم من التوطين والاستثمار المحلي وبما يضمن تحقيق هدف خفض مشتريات الأسلحة من الخارج بنسبة لا تقل عن 50 في المائة بحلول عام 2030.
تجميع 150 طائرة هليكوبتر لشركة لوكهيد مارتن من نوع بلاكهوك في السعودية سيسهم في توطين الصناعة ونقل التقنية والتحرك العملي نحو تحقيق أهداف الصناعات العسكرية مستقبلاً. الأمر عينه ينطبق على عقود النفط والغاز والصناعات التحويلية ومجمل الرخص التي تم إصدارها للشركات الأمريكية لممارسة نشاطها محليًا بملكية كاملة.
لا يمكن لأي دولة أن تستغني عن توفير احتياجاتها الأساسية التي لا تستطيع توفيرها محليًا؛ وفي مقدمها الاحتياجات الدفاعية التي تضمن لها الأمن والاستقرار؛ غير أن استثمار عقود تلبية الاحتياجات الرئيسة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية والمصلحة الوطنية ودعم العلاقات الدولية الداعمة للأمن والاستقرار يضمن تعظيم العوائد؛ وتحقيق مكاسب إضافية للوطن.
أختم بالإشادة بقدرات المملكة السياسية والتنظيمية؛ ونجاحها في تنظيم ثلاث قمم عالمية في فترة زمنية قصيرة؛ وهو ما أكَّده الرئيس ترامب في إشادته المستحقة بالدور السعودي في تنظيم تلك القمم المهمة التي سيكون لها أكبر الأثر في معالجة القضايا العالقة في المنطقة؛ وإشادة خاصة بالشباب والشابات السعوديين الذين بذلوا جهودًا مميزة في التنظيم والإدارة.