عبده الأسمري
قبل سنوات خرجت توصية عن التجنيد الإلزامي على استحياء تحت قبة الشورى، ولأننا نهرب كثيراً من نقاش موضوع جديد ومبتكر ونتهرب أكثر من الخوض في تفصيلات موضوع يتعلق بالسلاح والدفاع، فقد ماتت التوصية في مهدها، ولكني سأناقشها في مقالي اليوم من عدة نوافذ وسأبحر في تفاصيلها وأعماقها. خريجو الجامعات والثانويات لدينا يقضون وقتاً في المكوث بالمنزل ويقضون أغلبه في الاستراحات، بينما البطالة لا تزال ظاهرة تجاوزت الدولة وفق رؤيتها الحديث عنها كمعضلة، إلى ما هو أبعد باتجاه الاستراتيجيات التي تحل البطالة بشكل مؤسساتي، في حين أنّ المؤسسات العسكرية لدينا تصرف الملايين سنوياً على التدريب المستمر، مع أنّ وجود التجنيد الإلزامي سيخفض من تكاليف التدريب إذا ما توفر التجنيد ورغب المجند في الالتحاق بالسلك العسكري، وهناك ثمة فوائد أخرى تسهم في حب العمل العسكري مما يغير قناعات العديد من الشباب في الانخراط بالمؤسسات العسكرية المختلفة، وهنالك فوائد أخرى تنمي من حب الشباب للانضباط والالتزام سواء في العمل الحكومي المدني أو العسكري وينعكس ذلك حتى في الحياة العامة.
إن وجود تجنيد إلزامي سيرفع عدد المستفيدين من الشباب ويوسع من الاستفادة من الطاقات والمهارات. بل سيوفر لدينا جيلاً وطنياً واعياً، ويرفع معدلات المواطنة والمشاركة في المسؤولية الوطنية تجاه الوطن ومقدراته، ويوظف لدى الشباب القيم والاتجاهات والميول الإيجابية وبث روح الإيجابية والتعاون والتعاضد، وحتى القيم الإنسانية والتعلُّم على العديد من المهارات اللازمة في الحياة، ومواجهة الصعوبات وتقوية الأنفس، وينمي أيضاً المساواة في الظفر بفرض التوظيف والعمل والمشاركة .
يجب أن ينظر للتجنيد الإلزامي من حيث التفاصيل لا أن يرى كعنوان عابر يرفضه الآخرون أو يعارضونه .. بل من الأولى أن يخضع للتدقيق والدراسة.
التجنيد الإلزامي مر كتوصية عابرة ولم نر إعادة نقاش لهذا الملف ولم يخضع حتى للدراسة، فلماذا لا يتم إعادة فتح دراسته بشكل احترافي من قِبل خبراء من جهات مختلفة، ليخضع للغة الأرقام والميزانيات والنتائج المستقبلية، وانعكاسه على حل العديد من الظواهر السلبية في المجتمع، إضافة إلى مؤشرات هذه الخطوة في تقوية الجبهة الداخلية وإمكانية فتح قوائم المتطوعين، مع أي أزمة حرب محتملة أو عداء مبطن أو احتياج يفرض نفسه لأي سبب من الأسباب. لذا فإنني أوجه رسالتي لإعادة دراسة الموضوع كخطة وطنية تنبثق من الرؤية السعودية 2030، وأن يدرس حتى ولو تم وضعه على قائمة الخطط الخاضعة للتجربة مبدئياً إلى حين إصدار قرار شامل وإلزامي بذلك.