«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
منذ عقود تنبهت شركات الإنتاج في المصانع والمعامل خصوصًا للمنتجات الغذائية والأدوات المنزلية والأثاث والإكسسوارات المختلفة إلى أهمية التصميم والألوان في منتجاتها. وجاء ذلك بعد اكتشاف صحة تأثير المنتج وما يتبعه من رسم وتصميم وألوان بل راحت مصانع ومعامل وورش تصنع منتجاتها بإيحاء من خبراء الفنون من فنانين ومصممين وحتى علماء النفس والاجتماع بهدف تثقيف وتوعية الذائقة الفنية لدى المستهلك والتأثير عليه.
وبالفعل نجحت كل الشركات المنتجة في العالم التي وظفت هذا الجانب بل بات الكثير من الفنانين والمصممين خصوصا الموهوبين يعملون كمستشارين لدى هذه الشركات وتلك المصانع. بل إن شركات كبرى تدفع الملايين لفنانين معروفين لمساعدتها عندما تقرر طرح منتج جديد للأسواق. وهناك من تستعين بشركات تتعاون معهم مباشرة أو غير مباشرة. بمعنى أن الفنان المبدع هو فرس الرهان في مختلف مجالات طرح منتج جديد.. من الفكرة لرسم التصميم واختيار الألوان المناسبة التي يراها الفنان أنها الأفضل لهذا المنتج أكان مادة غذائية أو استهلاكية أو حتى قطعة إكسسوار.
وجميع المهندسين العالميين الناجحين لديهم عدة مستشارين تشكيليين بعضهم شهير ومعروف والبعض الآخر يعمل كما يقول إخواننا المصريين «دكاكيني» أو بمعنى آخر من تحت لتحت. صحيح إن المئات من المهندسين باتوا مشاهير ويحملون شهادات عليا في الهندسة والتصميم لكنهم ومع كل الاحترام للجميع بعضهم يفتقر للموهبة الفنية واللمسة الإبداعية التي تجعل من تصميمه تصميمًا مبدعًا ومؤثرًا لكل من يشاهده.. لقد نجحت تصاميم الكثير من المكاتب والمؤسسات الهندسية في العالم في طرح مشاريعها الهندسية أفكارها المختلفة. وما زلت أذكر حديث الفنان والبروفسور «يو يو يانغ» عندما زارني في مرسى المتواضع داخل بيت والدي -رحمه الله- قبل عقود: بأن من أسباب نجاح مشاريعه في هونج كونج وسنغافورة والصين وتايوان وإيطاليا وبعض دول العالم هو أنه كان موهوبًا قبل أن يدرس الفن.
وهذا ما قالته يوما المعمارية المبدعة «زها حديد» قبل سنوات إن دراسة الهندسة مطلوبة لكن الموهبة هي التي تفجر الإبداع في كل مشروع وعمل أقوم به.. وفي العديد من دول العالم تستعين بلديات المدن بالفنانين التشكيليين عندما تريد أن تنفذ مشروعًا ما لمساعدتهم في توظيف الجوانب الجمالية في كل مشروع ما.
هذا ويوجد في بلادنا 2500 مكتب هندسي تضم مئات من المهندسين السعوديين والعرب والأجانب. لكن هل يوجد فيها فنان تشكيلي سعودي كاستشاري متعاون أو حتى يعمل معهم بدوام جزئي؟ لا أعتقد.. لذلك نجد أن بعض تصاميمهم تكاد تكون مكررة وتخلو من اللمسة الإبداعية المطلوبة في زمن التنمية والتطور والازدهار ونحن تخطو خطوات سريعة ووثابة للمستقبل..فهل نفعل؟