د. عبدالواحد الحميد
اختيار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المملكة العربية السعودية كي تكون المحطة الأولى في أول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية يعني الكثير، فقد كان المتوقع، حسب التقليد المتبع في أمريكا، أن تكون الرحلة الخارجية الأولى للرئيس هي للبلدين المجاورين: كندا أو المكسيك.
هناك قيمة رمزية وقيمة فعلية لقرار ترامب. فمن الناحية الرمزية، لا شك بأن اختيار المملكة كي تكون محطته الخارجية الأولى يجسد أهمية المملكة سواء في علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حتى الآن أو في مركزيتها بالنسبة للعالم الإسلامي كحاضنة للحرمين الشريفين أو موقعها المؤثر والقيادي على الساحة العربية.
وبجانب الأهمية الرمزية الكبيرة، هناك أهمية من الناحية الفعلية. فبالرغم من كل ما قيل وكُتب عن فتور العلاقة بين البلدين في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وأنها بداية لحقبة جديدة ستشهد انحسار أهمية المملكة بالنسبة لأمريكا بسبب ثورة النفط الصخري وتراجع أسعار النفط، فإن زيارة ترامب للمملكة في أول رحلة خارجية له تنسف تلك المقولات وتؤكد على أن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح وأن من مصلحة البلدين المحافظة على العلاقة التاريخية بينهما والتي طالما وُصِفت بأنها «علاقات خاصة» حتى وإن شهدت حالات من المد والجزر كما هي الحال في علاقات الولايات المتحدة مع بعض حلفائها الأوروبيين على سبيل المثال.
علاقات الدول مع بعضها البعض لا تُبنى على العواطف وإنما على المصالح، وهذه حقيقة تاريخية يعرفها أي متفحص لتاريخ العلاقات الدولية. وفي هذا السياق، تبرز المملكة كقوة اقتصادية عالمية في واقعها الآني وفي خططها المستقبلية لتطوير اقتصادها وتوسيع دائرة استثماراتها داخلياً وخارجياً وبناء شراكات وتحالفات اقتصادية جاذبة لأي دولة مهما كانت، فضلاً عن أن تكون الدولة الكبرى في زمننا الحالي وهي الولايات المتحدة.
وفي السياق السياسي، تبرز أهمية المملكة بالنسبة للولايات المتحدة بما للمملكة من تأثير إقليمي وعربي وإسلامي. ومن هنا كانت زيارة ترامب للمملكة في بُعْدِها الفعلي تمثل تواصلاً مع الساحة الخليجية والعربية والإسلامية من خلال لقاءات الرئيس ترامب مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والدول الإسلامية والعربية على أرض المملكة العربية السعودية.
سوف تفرز لنا الفترة القادمة تداعيات هذه الزيارة التاريخية ونتائجها على صعيد العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة وتوجهات السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، لكنها في كل الأحوال تؤكد مرة أخرى على عمق وأهمية العلاقات بين البلدين وتنسف الكثير من التحليلات التي راجت في عهد الرئيس باراك أوباما عن تلاشي أهمية المملكة بالنسبة للولايات المتحدة وأن مصالح البلدين هي التي تحكم علاقتهما وهي مصالح ثابتة وهائلة ومتعددة الجوانب.