محمد سليمان العنقري
خلال السنوات العشر الماضية بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية وأميركا نحو تريليوني ريال سعودي، وتعد أميركا الشريك التجاري الثاني للمملكة التي بدورها تعد الشريك التجاري الثاني عشر لأميركا مما يؤكد حجم العلاقة التجارية الكبيرة بين الدولتين على مدى عقود طويلة، فأميركا ثاني أكبر مستورد من المملكة، وهي أيضاً أكبر مصدر لها، فهل سيكون للقمة السعودية الأمريكية دور بإرساء مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي خصوصاً أن الزيارة صنفت بالتاريخية بحسب وصف كبار المسؤولين السياسيين من البلدين لها؟.
فرغم حجم التبادل التجاري الضخم إلا أن ميل كفة الميزان التجاري لصالح المملكة لا يحكم على حجم التأثير الفعلي للتجارة البينية بينهما من حيث الأثر داخل كل اقتصاد، فجل صادرات المملكة لأميركا هي سلعة النفط، وبحكم ارتفاع الأسعار لما فوق مائة دولار لسنوات ساعد ذلك بأن يكون الميزان التجاري لصالح المملكة، لكن وارداتنا من أميركا متنوعة بين الطائرات السيارات والأجهزة الكهربائية والأسلحة والإلكترونيات والمواد الغذائية، وكذلك الخدمات كبيوت الاستشارات وأيضاً بقطاعات مالية وغيرها، بمعنى أن الانعكاس متنوع إيجاباً أكثر لدى الجانب الأمريكي لأنه يسهم بتشغيل أيد عاملة أكثر واستيراد سلع من منتجاتهم تضيف لناتجهم المحلي عشرات المليارات، أما على صعيد الاستثمارات فالكفة راجحة للجانب الأمريكي باستثمارات سعودية سيادية ومن القطاع الخاص بمئات المليارات من الدولارات وإن كان ذلك يعد طبيعياً بحكم ضخامة الأسواق الأمريكية أكبر اقتصاد عالمي بحكم الثقة الكبيرة بعملة الدولار أيضاً، لكن بالمقابل فإن حجم الاستثمارات الأمريكية بالمملكة ما زال محدوداً لا يتعدى 15 مليار دولار بحسب بعض الإحصاءات، ويعد محدوداً إذا ما قارناه بحجم عمق العلاقة بين الدولتين وكذلك حجم الاقتصاد السعودي الأكبر عربياً ومن ضمن دول مجموعة العشرين بالرغم من وجود سوق كبيرة للشركات والبضائع الأمريكية منذ زمن بعيد بالمملكة.
ومن خلال ما رشح عن تحركات بين الجانبين ودعم بتأسيس مجلس سعودي أمريكي للتجارة والاستثمار وغيرها من اللجان المشتركة وكذلك إطلاق منتدى دائم للتنفيذيين بين البلدين فإنه يبدو أن التحول بنوعية العلاقة سينتقل أكثر لمبدأ الشراكة وفتح الأسواق خصوصاً السعودي للاستثمار الكامل المباشر للشركات الأمريكية حيث تم الترخيص نحو 19 شركة أميركية بمجالات عديدة صناعية وخدمية مما يعني أن المملكة تريد فعلياً أن تنعكس العلاقة التجارية الضخمة بوجود شركات أميركية تعمل داخل المملكة وتنقل التقنية وتوطن الخبرات وتوظف المواطنين ويرتفع معها حجم الاستثمارات الأجنبية مما ينسجم مع توجهات رؤية 2030 م التي تستهدف جذب استثمارات أجنبية ضخمة بمئات المليارات مع فتح المجال لها بالإنتاج محلياً وزيادة الصادرات الوطنية وتشغيل الأيدي العاملة من الشباب السعودي بوظائف مجزية، كما أن إدخال التقنية الحديثة من الشركاء الأجانب تحديداً الأمريكان سيسهم بتقليص الأيدي العاملة الرخيصة الوافدة والانتقال لمرحلة إنتاجية أعلى وتنافسية أقوى توفر فرص استثمار وتوظيف بكثافة أعلى بعيداً عن تأثير الإنفاق الحكومي الذي ساد لسنوات طويلة جداً وخدم الاقتصاد، لكن لا يمكن الاستمرار بالاعتماد عليه دائماً لدعم عجلة النمو بنسبة كبيرة ومؤثرة خصوصاً مع الاتجاه للدور الرقابي والإشرافي للأجهزة الحكومية وإطلاق برامج التخصيص لقطاعات عديدة كالطاقة والمياه والمطارات وغيرها من التي تعد جاهزة للخصخصة، كما أعلن عنها بالتوجهات العامة لبرامج التحول نحو الرؤية.
لكن بالمقابل فإن الوصول للانعكاس الإيجابي على الاقتصاد الوطني يتطلب عوامل عديدة من أهمها زيادة المحتوى المحلي بالمنتجات التي تصدر للسوق السعودي من الشركات الأمريكية وفق خطة طويلة الأمد مع إمكانية الانتقال للتصنيع الكامل محلياً، فإلى وقتنا الحالي ما زالت الفائدة بالعلاقات التجارية تصب بصالح الجانب الأمريكي من حيث حجم الاستثمارات السعودية باقتصادهم، وكذلك استيراد عشرات السلع والخدمات من شركاتهم مما يتطلب أن تكون العلاقات التجارية تتجه نحو القرب من التوازن من حيث ضخ الاستثمارات الأمريكية بالمملكة والاعتماد على منتجات سعودية لتكون بمدخلات الإنتاج النهائي وتوسيع حجم الواردات من المملكة لسلع عديدة أخرى مع إعطاء تفضيل للمنتج السعودي بالسوق الأمريكي، إضافة لنقل التقنيات بصناعات عديدة نحتاجها والعمل على الاستفادة من المدن الصناعية والاقتصادية بالمملكة لتحديد واحدة منها لتكون مقراً لصناعات محددة تكون انطلاقتها بمصانع لشركات أميركية مثل تحديد صناعات دوائية وطبية أو بمجال تتوفر فيه عوامل نجاح كبيرة بالمملكة وتخصيص مدينة صناعية لاحتضانها لتكون على غرار الجبيل وينبع بالصناعات البتروكيماوية إضافة إلى تعميق حجم الشراكات من خلال فتح كافة القنوات المؤدية لذلك على المدى البعيد مع تطوير بالأنظمة والإجراءات محلياً لإزالة أي عقبات تحد من تدفق الاستثمارات من خلال النظر إلى مكونات مؤشر سهولة الأعمال الذي يصدر من البنك الدولي والعمل على معالجة كل الإجراءات التي تعرقل تدفق الاستثمارات، إضافة إلى ضرورة وضوح برامج التحفيز لدعم عودة النمو للاقتصاد المحلي وتعزيز أوجه جذب الاستثمارات من خلال الحفاظ على المحفزات الأساسية والميز النسبية التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني.
حظي الشق السياسي لزيارة الرئيس الأميركي بنصيب الأسد بالتغطية والمتابعة والاهتمام إعلامياً كونها شملت برنامج عمل ضخم فيه ثلاث قمم تاريخية غير مسبوقة تعزز التحالفات بين المملكة ودول الخليج والعالم الإسلامي مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن للجانب الاقتصادي مساحة أيضاً كبيرة نتج عنها توقيع عقود بنحو 280 مليار دولار مما يشير لولادة تحول نوعي إستراتيجي بالعلاقة السعودية الأمريكية اقتصادياً ترتكز على نحاحات تاريخية، لكنا لابد أن تؤسس لعمل مختلف أكثر توازناً، لأن حجم المصالح وطبيعتها أيضاً تبدلت لمستوى أكبر يتطلب تغيراً مناسباً لتطلعات كل دولة خصوصاً ما تحتاجه المملكة لتحقيق رؤيتها الاقتصادية الإستراتيجية 2030م.