عبد الله باخشوين
.. في عراق ذلك الزمان تقدمت زوجتي بطلب للعمل في التعليم - مجال دراستها - فاختاروا لها العمل في «رياض الأطفال» وحتى تكون بعيدة تمامًا عن «سلك التعليم» تم تعيينها كمدرسة «تربية بدنية» أو رياضة.
طبعًا قبلت العمل وانخرطت في دورة تأهيلية في «ملعب الشعب» قبل أن تباشر العمل في إحدى مدارس رياض الأطفال بالعراق.
بعد أسبوع عادت شبه مرعوبة وغير مصدقة بعد أن اكتشفت ما اعتبرته أخطر أساليب «التجسس» على الإطلاق.. قالت لي:
- تصور ما يحدث في رياض الأطفال في العراق لمن هم دون سن السادسة.. في الحصة الأولى على كل معلمة أن تجلس مع أطفال فصلها على حدة لتسألهم سؤالاً محددًا:
- «عن ماذا كان يتحدث أبويك ليلة البارحة يا حبيبى»؟!
ثم تجمع إجابات أطفال المدرسة وترسل لـ«الأمن».. يعنى لو الأب والأم تحدثوا عن الدولة أو أحد مسؤوليها الكبار.. يروحوا في داهية.
قلت لها دون دهشة:
- بالعكس أسلوبهم ما زال إنسانيًا ومعقولاً؟!
بحلقت في وكادت تغص بلقمة الغداء.. قلت موضحًا:
- يا حبيبتي تعالى شوفي الاتحاد السوفياتي والدول التي تدور في فلكة وفي مقدمتها ألمانيا الشرقية.
هناك تستخدم أنواع «مبتكرة» من السحر.. يسميها الصديق العزيز الدكتور ميسرة طاهر وبعض العاملين في مجاله بـ«الطاقة الإيجابية» و«الطاقة السلبية» تخفيفًا لوقعها لأن كلمة «سحر» أصبحت ملوثة وشديدة «التخلف» نتيجة أعمال السحر الإفريقي الأسود التي تعتمد الشعوذة والدم. أما كلمة «الطاقة» فهي حديثة وتواكب العصر وكل متطلباته.. وهناك تستخدم «الطاقة» التي تتم برمجتها بطرق مختلفة لا أعرف ما هي.. وتوجه للسجناء والسياسيين والمعارضين والطامحين والمشكوك في ولائهم وهي طاقة متجددة وملازمة.. يمكن لمن يحركها أن يرصد الحركة والكلام ويقرأ الأفكار ويرسل الأفكار المضادة.. ويضع الخاضع لها في حالة رعب دائم يشعر معها أن كل تحركاته وسكناته مرصودة «ميدانيًا» وأن في منزله أجهزة تنصت وكاميرات تصوير وقد يخشى أن يتحدث لزوجته أو أخته أو أمه.. دون أن يعرف أنه خاضع لتأثير «طاقة» مهمة نساء بيته هي بثها - دون علمهن - وتجديد البث وحراسته.. بحيث يجد المرء - مثلاً - أن وجه أمه.. أو صوت زوجته هو الذي يبث فيه «الطاقة السالبة» من حيث لا يعلمان.. كما أن هذه «الطاقة السالبة» تفتح قنوات لها في العقل الباطن وتوجه خلال النوم لإيصال رسائل جديدة.. تقوم على قراءة اللا وعي وإحداث نوع من «التنويم الإيحائي» وهناك من يحرسها ويغذيها ويتابع برمجتها ونتائجها سواء بالاتصال تلفونيًا أو من أحد زملاء العمل.. أو من الأقرباء.. وهكذا.
وهناك رواية أو روايتان طرحت هذا الموضوع أشهرها رواية «ظلام في الظهيرة» التي تحولت لمسرحية أيضًا ورواية «العام 1980» لجورج أوريل أما فيما بعد فقد ظهر عدد كبير جدًا من الأفلام الأمريكية والأوروبية التي أخذت تعرض منذ عام 2000 تتناول نفس الموضوع وإن كان بحس تجارى لا يهدف لإثارة القلق.
أما الآن بعد كل هذا الزمن فإن كثيرًا لا يعرفون أن هذا الأسلوب أصبح وسيلة حيوية لدى كثير من أجهزة الأمن العربية.. ووسيلة حيوية في التهييج الدينى كما في «عاشورا» مثلاً.. وإحدى أهم الوسائل التي تعتمد عليها كل التنظيمات الإرهابية للتجنيد وغسيل الأدمغة وضمان الطاعة المطلقة.. غير أنه لا أحد يعلم مدى ولاء كثير من المتخصصين في هذا المجال «الطاقى» ولا نقول «السحري» لأنهم من الأجراء والمغامرين الذين يمكن أن يعملوا لحسابهم الشخصي.. ولحساب جهات تتناقض أهدافها مع أهداف الجهات التي جندتهم لأن مثل هؤلاء ليست لهم هوية وطنية.. لكن المال هو هدفهم النهائي.. بضمان الأهداف السرية للجهة التي جندتهم وعم قدرة الآخرين على معرفة هوية من يقف وراءه.