د. محمد عبدالله العوين
على مدى ما يزيد على ثمانين عاما نهضت السعودية منذ تأسيسها في مرحلتها الثالثة بأدوارها العربية والإسلامية ومقاومة تفتيتهم بالشعارات القومية والشيوعية، والسعي إلى عدم الانجرار خلف النزق السياسي للزعامات الطائشة التي لا تنظر إلى ما هو أبعد من أرنبة أنف الزعيم المندفع إلى كسب التأييد الشعبي بالخطابات الحماسية الفارغة والوعود الزائفة.
وهكذا تداعت تلك الزعامات، وانطفأت تلك الفقاعات السياسية، وتساقط المتهورون المندفعون؛ وصمدت سياسة الحكمة والاتزان، ونجحت سياسة الاعتدال والثقة في الرؤية والمنهج، وتأكد للعالم أجمع أن المملكة هي المؤهلة لأن تكون المتحدثة باسم العرب والمسلمين؛ بحكم مكانتها الدينية المميزة، وتأريخها العربي العميق، وحكمة واتزان واعتدال قيادتها، وبعدها عن التهور والمغامرات الطائشة.
وعلى مدى ما يزيد على ثمانية عقود يد تبني النهضة والتنمية في الداخل ويد أخرى تمتد إلى أصحاب النوايا الطيبة؛ لتبني عالما عربيا وإسلاميا جديدا.
واستمرارا لنجاح المملكة في إعادة بناء الأمة في ظروف سياسية وعسكرية عاصفة، وفي ظل تهديد مباشر وتغول فارسي متستر بغطاء طائفي ذميم في المنطقة العربية والإسلامية ولأول مرة في التاريخ الحديث تحتضن الرياض ثلاثة مؤتمرات عالمية ممثلة في الرئيس دونالد ترامب، وخليجية ممثلة في زعماء دول مجلس التعاون، وعربية إسلامية ممثلة في زعماء العرب والمسلمين.
لقد وقعت السياسة الأمريكية سابقا في أخطاء جسيمة نتجت عن تصورات ورؤى لم تكن منصفة ولا عادلة وبعيدة عن فهم أسباب التطرف ودوافعه وغير مدركة قيم الإسلام الحقيقية وثقافة الأمة العربية؛ مما دعا عددا من القادة الأمريكيين السابقين إلى تبني رؤى متكئة على مواقف معادية للعرب وللمسلمين صاغها وزينها وطرزها مفكرون صهاينة كبرنارد لويس، ودعمها بالمال والإعلام أصحاب رؤوس أموال ومنصات إعلامية من اليهود والفرس الأمريكان.
واليوم أدرك فخامة الرئيس دونالد ترامب خطأ تبني الغرب بالعموم ثورة تصطبغ بطابع ديني معمم قائم على شعار طائفي يعتمد اصطفاء «الشيعة» على السنة على أنهم ليس لديهم نزعة تطرف وكراهية للغرب، والاقتناع بأن «الفرس» أقدر من العرب على الاستجابة لمعطيات الثقافة الغربية، ولذلك أتي بالخميني ليتولى مع إسرائيل مهمة تكوين وصناعة شرق أوسط جديد.
ولكن جاءت النتائج على خلاف المرجو؛ فقد تطورت الأحداث خلال ثمانية وثلاثين عاما من قيام ثورة الخميني المشؤومة بطريقة دامية أعاقت مفهوم التقارب بين ثقافات العالم وشجعت على نمو وتكوين جماعات إرهابية، وكان آخر حلقات المخطط الفاشل ثورات الخريف العربي التي زادت الطين بلة وخلقت فوضى لا في العالم العربي فحسب؛ بل صدرتها كإرهاب إلى عواصم العالم.
ربما يستطيع دونالد ترامب التكفير عن أخطاء سابقيه وما جنته السياسات الملغومة المنحازة ضد العرب والمسلمين ويعيد صياغة بناء العلاقات الأمريكية العربية الإسلامية على أسس العدالة والتعاطي المتوازن والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وحماية العالم كله من خطر الإرهاب؛ باعتبار أن «البؤرة» الإرهابية حين تتخلق في أي مكان بأية دوافع لن يحبسها المكان نفسه؛ بل يتطاير شررها إلى العالم كله.
وتنهض المملكة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - أيده الله - وسمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف وسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالدور التاريخي المستحق للمملكة في قيادة العالمين العربي والإسلامي لصياغة موقف موحد أمام القيادة الأمريكية الجديدة ممثلة في الرئيس ترامب وللبحث عن حلول ممكنة لإيقاف تغول إيران الصفوية في العالم العربي، ونزع مخالبها الميلشاوية التي تزيد على سبعين فصيلا إرهابيا مقاتلا يقوده الحرس الثوري، وإلزام إيران بالعودة إلى حدودها الجغرافية والتخلي عن مفهوم تصدير الثورة المتخلف، واتخاذ السبل الكفيلة مع أمريكا؛ لتحقيق هذه الأهداف؛ لينعم العالم كله بالأمن والسلام، وليعم الرخاء والرفاهية، وتنتعش حركة الاقتصاد العالمي.
سيبدأ تأريخ جديد، ويدخل العالم العربي بعد المؤتمرات الثلاثة إلى مرحلة مختلفة ستتلاشى فيها إيران ولاية الفقيه وتبدأ إيران الحرة المتصالحة مع جيرانها العرب والعالم.