صيغة الشمري
أصبح مجتمعنا يكرّس حياته وجلّ اهتماماته في استخدام الأجهزة الذكية، التي سرقت منه الحياة الطبيعية وجعلت كل أوقاته منغمسة في واقع افتراضي أغلبه غير مفيد، بل مؤذٍ بشكل كبير يدعو لدق ناقوس الخطر، لم يعد لنا نقاش سواء في محيط العائلة أو العمل أو حتى الحديث مع النفس سوى ما يدور في هذه الأجهزة الذكية وما يتم تبادله بسرعة انتشار النار في الهشيم من مقاطع فضائحية توقع صاحبها في مخالفات قانونية وإنسانية وفي أغلبها مخالفة صريحة لتعاليم الدين الإسلامي في الحث على الستر وعدم التسرع في فضح خلق الله، لم يعد يهتم مجتمعنا بأي قضية تأتيه عبر مقطع متداول، والأدهى والأمر أن بعض المسؤولين لا يتحرك ولا ينتفض إلا عند انتشار مقطع مصور يخص نطاق مسؤوليته فيسارع باتخاذ قرار عاجل دون التحقق من الأمر لتلافي ردة فعل أصحاب القرار تجاهه في خطوة استباقية يظن أنها ذكية لحماية نفسه، وهذا ما حصل في قرار وزير التعليم الذي صدر بإعفاء مدير مدرسة ابتدائية بعد انتشار مقطع مصور لتلاميذ المدرسة وهم يمزقون كتبهم ويرمونها في الشارع بعد انتهائهم من فترة الاختبارات خلال الأسابيع الماضية، كان قرارًا متسرعًا ومجحفًا بحق معلم قضى أكثر من ربع قرن في السلك التعليمي وشهد له زملاؤه بعلو كعبه في سلك التعليم وتميزه حيث شارك المئات منهم في كتابة إشادات وتضامنات مع زميلهم الذي تعرض للإجحاف والتشهير والإقصاء حتى دون التحقيق معه، بل إنه لم يعلم بخبر إقصائه المجحف إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتساوى مع وزيرنا المحترم تصرف ذاك المواطن الذي انطلق بسيارته للبحث في شوارع الرياض عن موظف في مكتبة ليكافئه مكافأة مجزية بعد انتشار مقطع أخبر صاحبه بأن عامل المكتبة هذا رفض تصوير ورقة أتت بها سيدة ساوره الشك بأن محتواها طلاسم سحرية حيث اتضح فيما بعد أن السيدة تشير إلى التحقيقات الأولية معها بأن هذه الأوراق تخص معلومات تتعلق بالطاقة وتطوير الذات، وبغض النظر عن كون السيدة مدانة أم بريئة فإن سلوك مجتمعنا وتفاعله السريع مع هذه المقاطع بشكل اندفاعي وعاطفي يدعو لسرعة سن قانون لضبط شغف المجتمع وردود أفعاله تجاه هذه المقاطع وقبل ذلك قانونية تصوير مقاطع قد تنسف حياة أسر كاملة وتدمرها وتجعل حياتها بلا طعم، لا بد من سن قرار يعاقب ويمنع من نشر أي مقطع مهما كان الغرض منه سواء للفكاهة أو للتحذير أو حتى لجريمة، خصوصًا أن هناك جهة أمنية يتم التعامل مها وإرسال المقاطع لها وهي تتولى الأمر بشكل قانوني وتحقق فيه بعيدًا عن هذه الضجة والفضيحة التي تشغل المجتمع وتثير مزيدًا من البلبلة دون فائدة تذكر، استمرار أفراد المجتمع على تصوير هذه المقاطع رغم صدور كثير من العقوبات على بعض من صور مقاطع مصورة مماثلة يدل على أن مجتمعنا بحاجة إلى حملة توعية كبيرة بخطورة هذا الأمر والتحذير منه!