د.عبد الرحمن الحبيب
أعين العالم اتجهت للرياض في الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي خارج أمريكا منذ تولية الرئاسة حيث وصف السعودية بأنها «مفتاح الحل» للأزمات التي يمر بها الشرق الأوسط، مع مشاركته لثلاث قمم (ثنائية، خليجية، عربية إسلامية). لذا، فالأنظار ركزت على الجانب السياسي والأمني..
لم ينل الجانب الاقتصادي التغطية التي يستحقها إلا كلغة أرقام في الصفقات العسكرية، رغم أنه حتى الصفقات العسكرية لها تأثير اقتصادي مهم، فقد أعلن عن إطلاق شركة وطنية سعودية جديدة للصناعات العسكرية، ستساهم مباشرة بما يصل إلى 14 مليار ريال سعودي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحلول عام 2030، عبر العمل مع الشركاء المحليين والدوليين.
التأثيرات الاقتصادية ليست نتائج جانبية لهذه الزيارة بل هي من صميم أهدافها الرئيسية لصالح كلا الجانبين السعودي والأمريكي، حيث تشمل محادثات القمة السعودية - الأمريكية هدف تعميق العلاقات الاقتصادية الثنائية، لدفع عجلة النمو الاقتصادي وإيجاد المزيد من فرص العمل للبلدين، وإيجاد آفاق جديدة للشراكة بين البلدين.
حتى في الخطاب السياسي لأهمية هذه الزيارة أكد وزير الخارجية عادل الجبير أهمية الجانب الاقتصادي ذاكراً بأن القمة العربية-الإسلامية-الأمريكية تركز على مكافحة الإرهاب ومصادر تمويله والقضايا الاقتصادية وملف الشباب، إلى جانب مناقشة سبل التصدي لسياسات إيران العدوانية. وإذا كان الحديث الاقتصادي كثيراً ما يتناول الاستثمارات السعودية الضخمة في أمريكا فإنها أيضاً ذات فوائد ضخمة داخل المملكة كما أكد وزير المالية محمد الجدعان في مقابلة مع سي إن إن، قائلاً: «سيكون هناك استثمار كبير من قبل السعودية في الولايات المتحدة ولكن سيكون هناك فوائد كبيرة للسعودية... ستوفر فرص عمل في كلا الدولتين، وسيكون هناك استثمارات من كلا الطرفين..»، وذلك ضمن إستراتيجية المملكة لإنهاء اعتمادها الاقتصادي على النفط في إطار رؤية السعودية 2030.
هناك أيضاً منتدى رفيع المستوى بين السعودية وأمريكا في الرياض بالتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكي، بحضور أكثر من 100 شخصية من كبار المديرين التنفيذيين لكبرى الشركات الأمريكية والسعودية، لمناقشة فرص الاستثمار المشترك والشراكات التجارية لإيجاد فرص عمل إضافية والدفع بسبل النمو الاقتصادي للبلدين.. كذلك حضور المدراء التنفيذيين من مجموعة الاتصالات اليابانية «Soft Bank»، التي أطلقت صندوق استثمار بقيمة 100 مليار دولار مع السعودية، وخصصت السعودية مبلغ 45 مليار دولار من الصندوق العام للاستثمارات. كل ذلك يعد فرصا استثمارية واعدة للمملكة..
لن يكون الجانب الاقتصادي محصوراً في الاستثمار التجاري التقليدي بين البلدين، بل سيمتد ليشمل اقتصاد المعرفة لتطوير الاقتصاد السعودي، حيث ذكر وزير الثقافة الإعلام عواد العواد أن خطة العمل ستشهد استثماراً ضخماً في تحديث البنية التحتية وتأسيس صناعات متقدمة تقنياً لتنويع الاقتصاد وإيجاد فرص عمل للسعوديين قائمة على المعرفة.
وهذا بدوره سيمتد إلى جوانب أخرى مهمة في زيارة الرئيس الأمريكي وهي إعلامية وثقافية وفنية، إذ أوضح العواد أن الوزارة ستستقبل مئات الإعلاميين من مختلف دول العالم لتغطية هذا الحدث التاريخي.. وأبان أن السعودية تسعى عبر إتباع إستراتيجية طموحة إلى استثمار الإعلام والتقنية الحديثة في نقل الحدث بوسائط جديدة للمتلقي في كل مكان.
هذه الوسائط الجديدة ستكون إحدى القوى الناعمة لمواجهة التطرف، فضمن فعاليات زيارة الرئيس الأمريكي، إطلاق منتدى على تويتر بعنوان «مغردون 2017» تستضيفه مؤسسة الأمير محمد بن سلمان «مسك الخيرية»، يتناول كيفية تفعيل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لمحاربة التطرّف والإرهاب، بمشاركة ترامب وسياسيين آخرين ومنهم الجبير.
بقي جانب آخر غفلت عنه التحليلات، وهو الموقف العسكري الأمريكي من النظام السوري، ففي يوم الخميس الماضي شنَّت قوات أميركية ولأول مرة غارات على موكب عسكري لميليشيات موالية للأسد، قرب المثلث الحدودي مع العراق والأردن، بعدما تحرك تجاه قوات تدعمها الولايات المتحدة في سوريا. وكانت الولايات المتحدة قبل أكثر من شهر، قد أطلقت 59 صاروخاً (توماهوك) على قاعدة عسكرية جوية للنظام السوري..
هذا يعني أن تؤخذ التحذيرات الأمريكية للنظام السوري على محمل الجد. وإذا ربطنا ذلك مع زيارة الرئيس الأمريكي للرياض وتشاوره مع قادة العالم الإسلامي في مواجهة الإرهاب عبر القوة الناعمة والقوة الصلبة. وإذا كانت القوة الناعمة تشمل مواجهة الإرهاب والدول الداعمة له من خلال حرب فكرية وتقنية ونفسية، وافتتاح مركز دولي لمواجهة الإرهاب في الرياض، فإن القوة الصلبة التي أعلنها الرئيس ترامب ونفذ جزءاً منها تعني أن ترامب سيستخدم القوة العسكرية إذا شعر بأي تهديد لدور أمريكا القيادي في العالم.. هذا يذكرنا بقرار قبل أسبوعين لميليشيا «حزب الله» تفكيك وحداتها العسكرية على الحدود السورية، وبداية رحلة العودة العكسية (الهروب) إلى لبنان، ربما إدراكاً منها بعودة الدور الأمريكي الذي سيحجم الدور الإيراني وعملائه في المنطقة..
الخلاصة أن زيارة الرئيس الأمريكي للرياض سيكون لها تأثيرات أكثر من سياسية وأمنية بل اقتصادية وثقافية وعلمية وإعلامية وفنية.. إنها زيارة تاريخية لها ما بعدها من نتائج طويلة الأمد.. فعمق العلاقات السعودية الأمريكية التي ترسخت عبر عقود أثبتت أنها أكبر من الرياح السياسية الطارئة.